الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وأكره الورق المغشوش لئلا يغر به أحدا " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : أما ضرب الورق المغشوش فيكره للسلطان وغيره لقوله صلى الله عليه وسلم من غشنا فليس منا ولما فيه من إفساد النقود وغبن ذوي الحقوق وغلاء الأسعار ، وانقطاع الجلب [ ص: 260 ] المفضي جميع ذلك إلى اختلاف الأمور ، وفساد أحوال الجمهور فأما جواز المعاملة بها ووجوب الزكاة فيها ، فهما فصلان :

                                                                                                                                            نبدأ بأحدهما : وهو جواز المعاملة بها : اعلم أن المغشوش ضربان : ضرب يكون غشه لرداءة جنسه ، فتكره المعاملة به لمن لا يعرفه إلا بعد إعلامه ، لما فيه من الغرور والتدليس وفي مثل ذلك قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : من زافت دراهمه فليأت السوق فليشتر بها الثوب السميق ، وقد ذكرنا وجوب الزكاة فيه .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : ما كان غشه من غيره لا من جنسه كالفضة المختلطة بغيرها ، فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون قدر فضته معلوما ، وجنس ما خالطه وغش به معروفا ، قد اشتهرت حاله عند الكافة وعلمه الخاصة والعامة لا يختلف ضربه ولا يتناقض فضته ، فالمعاملة به جائزة حاضرا بعينه وغائبا في الذمة .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يكون قدر فضته مجهولا ، فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون ما خالط الفضة مقصودا له قيمة كالمس والنحاس .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يكون مستهلكا لا قيمة له كالزئبق والزرنيخ ، فإن كان مقصودا فعلى ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن تكون الفضة والغش غير ممتزجين .

                                                                                                                                            والثاني : أن يكونا ممتزجين ، فإن كانت الفضة غير ممازجة للغش من النحاس والمس وإنما الفضة على ظاهرها والمس في باطنها ، فالمعاملة بها غير جائزة ، لا معينة ولا في الذمة : لأن الفضة وإن شوهدت فالمقصود الآخر غير معلوم ولا مشاهد ، كما لا تجوز المعاملة بالفضة المطلية بالذهب : لأن أحد مقصوديها غير معلوم ولا مشاهد ، وإن كانت الفضة ممازجة للغش من النحاس والمس لم تجز المعاملة بها في الذمة للجهل بها ، كما لا يجوز السلم في المعجونات للجهل بها ، وفي جواز المعاملة بها إذا كانت حاضرة معينة وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : لا يجوز للجهل بمقصودها كتراب المعادن .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : يجوز وهو أظهر وبه قال أبو سعيد الإصطخري ، وأبو علي بن أبي هريرة كما يجوز بيع الحنطة المختلطة بالشعير إذا شوهدت ، وإن جهل قدر كيل واحد منهما ، وكما يجوز بيع المعجونات إذا شوهدت وإن لم يجز السلم فيها ، وخالف بيع تراب المعادن : لأن [ ص: 261 ] التراب غير مقصود ، فهذا الكلام في الغش إذا كان مقصودا ، فأما إن كان غير مقصود فعلى ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن تكون الفضة والغش ممتزجين فلا تجوز المعاملة بها ، لا معينة ولا في الذمة : لأن مقصودهما مجهول بممازجة ما ليس بمقصود كتراب المعادن .

                                                                                                                                            والثاني : أن تكون الفضة والغش غير ممتزجين وإنما الفضة على ظاهرها والغش في باطنها كالزرنيخية فتجوز المعاملة بها إذا كانت حاضرة معينة : لأن المقصود منها مشاهد ، ولا تجوز المعاملة بها في الذمة : للجهل بمقصودها ، فهذا حكم الورق المغشوشة في المعاملة ، لكن لا يجوز بيع بعضها ببعض ولا بيعها بالفضة : لأجل الربا ، وقد روي عن ابن مسعود أنه باع سقاطة بيت المال من المغشوش والزائف بوزنه من الورق الجيد ، فأنكر ذلك عمر بن الخطاب ورد البيع ، فلو أتلفها رجل على غيره لم يلزمه مثلها : لأنه لا مثل لها ولزمه رد قيمتها ذهبا ، والحكم في الدنانير المغشوشة كالحكم في الورق المغشوشة .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : إن كان غشها مثل نصفها أو أكثر فلا زكاة فيها حتى تباع قدر حصتها نصابا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية