[ ص: 282 ] باب
nindex.php?page=treesubj&link=2992زكاة التجارة
مسألة : قال
الشافعي رحمه الله تعالى : " أخبرنا
سفيان بن عيينة عن
يحيي بن سعيد عن
عبد الله بن أبي سلمة ، عن
أبي عمرو بن حماس أن أباه
حماسا قال مررت على
عمر بن الخطاب وعلى عنقي أدمة أحملها فقال ألا تؤدي زكاتك يا
حماس ؟ فقلت يا أمير المؤمنين مالي غير هذه وأهب في القرظ فقال ذاك مال فضع فوضعتها بين يديه فحسبها فوجدها قد وجبت فيها الزكاة فأخذ منها الزكاة " .
قال
الماوردي : وهذا كما قال :
الزكاة واجبة في أموال التجارة في كل عام هذا مذهبنا .
وبه قال من الصحابة
عمر ،
وابن عمر ، وجابر ،
وعائشة - رضي الله عنهم - والفقهاء السبعة ،
وأهل العراق .
وذهبت طائفة إلى أنه لا زكاة فيه بحال .
وبه قال من الصحابة
ابن عباس ومن الفقهاء :
داود احتجاجا بقوله صلى الله عليه وسلم :
ابتغوا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة
فأخرجها بالتجارة عن الحال التي تجب فيها الزكاة .
ولو كان وجوب الزكاة في التجارة وغيرها سواء ، لم يكن لأمره بالتجارة معنى ، بقوله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=922154عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق فكان العفو على عمومه في التجارة وغيرها .
قالوا : ولأن الأموال التي تجب زكاتها فالزكاة في عينها دون قيمتها كالمواشي والثمار وما لم تجب الزكاة في عينها لم تجب في قيمتها ، كالأثاث والعقار فلما كان مال التجارة لا تجب الزكاة في عينه ، لم تجب الزكاة في قيمته .
[ ص: 283 ] قالوا : ولأن ما فيه الزكاة من الأموال لا تأثير إليه في سقوط زكاتها بحال ، كالمواشي والثمار فلما سقطت زكاة التجارة إذا نوي بها القنية ، علم أن زكاتها غير واجبة .
قالوا : ولأن ما لا زكاة فيه قبل إرصاد النماء ، فلا زكاة فيه ، وإن عرض للنماء كالعقار إذا أوجر والمعلوفة إذا استعملت فلما كانت عروض التجارة لا زكاة فيها ، قبل إرصادها للتجارة فلا زكاة فيها ، وإن أرصدت للتجارة فهذا احتجاج من أسقط زكاة التجارة .
وأما حجة من أوجب زكاتها مرة ، فهو أن قال : المقصود بالتجارة حصول النماء بالربح ، والربح إنما يحصل إذا نض الثمن ، فوجب أن تتعلق به زكاة عام واحد ، كالثمار . قالوا : ولأن في إيجاب زكاتها قبل أن ينض ثمنها رفقا بالمساكين وإجحافا برب المال ، لأنهم تعجلوا من زكاتها ما لم يتعجل المالك من ربحها ، وأصول الزكوات موضوعة على التسوية بين المساكين وبين رب المال في الارتفاق ، وقد كان يجب تقديم هذه الدلالة على تلك : لأن هذه تدل على تأخير الزكاة ، إلا أن ينض الثمن وتلك تدل على أنه إذا نض ثمنه لم يلزمه إلا زكاة عام واحد ، لكن سنح الخاطر بالأولى ثم أجاب بالثانية فجرى القلم بهما كذلك .
nindex.php?page=treesubj&link=2994والدلالة على وجوب زكاة التجارة قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=103خذ من أموالهم صدقة ، [ التوبة : 103 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=24في أموالهم حق معلوم ، [ المعارج : 24 ] ، وأموال التجارة أعم الأموال فكانت أولى بالإيجاب ، وقال صلى الله عليه وسلم : " ليس في المال حق سوى الزكاة " فلما كان مانعا من الحق في جميع الأموال دل على أن ما أثبت في الزكاة عاما في جميع الأموال : لأن الزكاة المثبتة مستثناة من الحق المنفي .
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=922229بعث عمر بن الخطاب مصدقا فرجع شاكيا من خالد بن الوليد والعباس بن عبد المطلب وابن جميل فقال النبي صلى الله عليه وسلم أما خالد فقد ظلمتموه : لأنه حبس أدرعه وأعتده في سبيل الله والأعتد : الخيل ، ومعلوم أن الأدرع والخيل لا تجب فيها زكاة العين فثبت أن الذي وجب فيها زكاة التجارة .
وروى
مالك بن أوس بن الحدثان قال : كنت عند
عثمان بن عفان رضي الله عنه ، فدخل عليه
أبو ذر فقال له : كيف خبرك يا
أبا ذر ؟ فقال بخير ثم قام إلى سارية من سواري المسجد فبادر الناس إليه واحتوشوه وكنت فيمن احتوشه فقالوا له : حدثنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=922230في الإبل صدقتها وفي البقر صدقتها وفي الغنم صدقتها وفي البز صدقته قاله بالزاي معجمة ومعلوم أن البز لا تجب فيه زكاة العين فثبت أن الواجب فيه زكاة التجارة .
[ ص: 284 ] وروى
سليمان بن سمرة عن أبيه
سمرة بن جندب ، قال
nindex.php?page=hadith&LINKID=922231كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي يعد للبيع
وروى
ابن لهيعة عن
عراك بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=922076ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة إلا زكاة التجارة .
وروى
الحكم عن
مجاهد في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=267أنفقوا من طيبات ما كسبتم [ البقرة : 267 ] ، قال : زكاة التجارة ، ولأن الذهب والفضة إنما خصا من بين سائر الجواهر بإيجاب الزكاة فيها لإرصادهما للنماء ، وطريق النماء بالتقلب والتجارة فلم يجز أن يكون الموضوع لإيجاب الزكاة سببا لإسقاطها ، وأما الدلالة على من زعم أنه لا يجب إخراج زكاتها إلا إذا نض ثمنها ، فحديث
حماس قال : " مررت على
عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وعلى عنقي أدمة أحملها فقال : ألا تؤدي زكاتها يا
حماس فقلت يا أمير المؤمنين ما لي غير هذه وأهب في القرظ فقال : ذاك مال فوضع فوضعتها بين يديه فحسبها ، فوجدها قد وجبت فيها الزكاة ، فأخذ منها الزكاة " ، فكان في هذا الخبر دليلان :
أحدهما : على
nindex.php?page=treesubj&link=2994وجوب زكاة التجارة .
والثاني : على وجوب إخراجها قبل أن ينض ثمنها .
والدلالة على أن عليه زكاتها في كل عام ، هو أنه مال يعتبر فيه الحول فوجب أن يزكى في كل حول كالفضة والذهب فهذه دلالة على الفريقين ، ولولا أن هذه المسألة أصل من أصول الديانات لاقتصرت على بعض هذه الدلائل ، ولكن ليس إذا قل أنصار المخالف وضعف حزبه ما ينبغي أن لا يوفى العلم حقه .
وأما الجواب عن قوله :
ابتغوا في أموال اليتامى لا تأكلها الصدقة ، فهو إنما أمر بالتجارة ليكون ما يعود من ربحها خلفا عما خرج من زكاتها ، ولم يأمر بها لإسقاط زكاتها ، إذ ليس من شأنه أن يأمر بما يسقط لله تعالى حقا أو يبطل له سبحانه واجبا .
وأما قوله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=922154عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق ، فلسنا نوجب الصدقة فيها وإنما نوجبها في قيمتها على أن عراك بن مالك قد استثنى في حديثه زكاة التجارة ، فدل على أن المراد بهذا الحديث ما لم يكن للتجارة .
[ ص: 285 ] وأما قولهم : إن ما وجبت زكاته فالزكاة في عينه دون قيمته قلنا : الزكاة وجبت في القيمة دون العين ، وإخراجها من القيمة دون العين فما وجبت فيه الزكاة فمنه يؤدى لا من غيره وليس إذا لم تجب في العين يقتضي أن لا تجب في القيمة ، هذا مما لا يرجع فيه إلى أصل ، ولا يعتبر بنظير ولا يقصد بدليل ، فلم يكن فيه حجة على أن القيمة عين ، والزكاة فيها .
وأما قولهم : إن
nindex.php?page=treesubj&link=3122ما فيه الزكاة لا تأثير للنية فيه قلنا : ليست النية مسقطة ، ولا موجبة ، وإنما إرصاده للنماء بالتجارة موجب لزكاته ، كما أن إرصاد الفضة والذهب للتحلي به مسقط لزكاته ، فلما لم يجز أن يقال : إن النية في الحلي مسقطة لزكاته كذلك لا يقال : إن النية في التجارة موجبة لزكاته .
وأما قولهم : إن ما لا زكاة فيه قبل إرصاده للنماء ، فلا زكاة فيه ، وإن أرصد للنماء ففاسد بالحلي لا زكاة فيه ، وإذا أرصد للنماء ، ففيه الزكاة والماشية المعلوفة لا زكاة فيها ، ولو أرصدت للنماء بالسوم ، وجبت فيها الزكاة على أنه لا يجوز أن يعتبر ما أرصد للنماء بما لم يرصد له : لأن الزكاة تجب بإرصاده للنماء وتسقط بفقده ، وسائر الأصول يشهد به .
وأما من منع من إخراج زكاتها قبل أن ينض ثمنها اعتبارا بالثمرة ، ففاسد بما نض من ثمنها قبل الحول ، وما ذكره من ارتفاق المساكين قبل ربه ، ولو كان هذا معتبرا فيما له حول لمنع المالك من تعجيل الارتفاق قبل المساكين ، فلما جاز أن يتعجل الارتفاق بربح ما حصل قبل الحول ، وإن لم يرتفق المساكين بمثله جاز أن يتعجل المساكين ما لم ينض ثمنه ، ولم يحصل ربحه ، وإن لم يرتفق المالك بمثله وهذا جواب عن الدلالتين معا .
[ ص: 282 ] بَابُ
nindex.php?page=treesubj&link=2992زَكَاةِ التِّجَارَةِ
مَسْأَلَةٌ : قَالَ
الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : " أَخْبَرَنَا
سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ
يَحْيَي بْنِ سَعِيدٍ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ
أَبِي عَمْرِو بْنِ حِمَاسٍ أَنَّ أَبَاهُ
حِمَاسًا قَالَ مَرَرْتُ عَلَى
عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلَى عُنُقِي أَدَمَةٌ أَحْمِلُهَا فَقَالَ أَلَا تُؤَدِّي زَكَاتَكَ يَا
حِمَاسُ ؟ فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَالِي غَيْرُ هَذِهِ وَأَهَبُ فِي الْقُرْظِ فَقَالَ ذَاكَ مَالٌ فَضَعْ فَوَضَعْتُهَا بَيْنَ يَدَيْهِ فَحَسَبَهَا فَوَجَدَهَا قَدْ وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ فَأَخَذَ مِنْهَا الزَّكَاةَ " .
قَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا كَمَا قَالَ :
الزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ فِي أَمْوَالِ التِّجَارَةِ فِي كُلِّ عَامٍ هَذَا مَذْهَبُنَا .
وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ
عُمَرُ ،
وَابْنُ عُمَرَ ، وَجَابِرٌ ،
وَعَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَالْفُقَهَاءُ السَّبْعَةُ ،
وَأَهْلُ الْعِرَاقِ .
وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ بِحَالٍ .
وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ
ابْنُ عَبَّاسٍ وَمِنَ الْفُقَهَاءِ :
دَاوُدُ احْتِجَاجًا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
ابْتَغُوا فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى لَا تَأْكُلُهَا الزَّكَاةُ
فَأَخْرَجَهَا بِالتِّجَارَةِ عَنِ الْحَالِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ .
وَلَوْ كَانَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِي التِّجَارَةِ وَغَيْرِهَا سَوَاءً ، لَمْ يَكُنْ لِأَمْرِهِ بِالتِّجَارَةِ مَعْنًى ، بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=922154عَفَوْتُ لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ فَكَانَ الْعَفْوُ عَلَى عُمُومِهِ فِي التِّجَارَةِ وَغَيْرِهَا .
قَالُوا : وَلِأَنَّ الْأَمْوَالَ الَّتِي تَجِبُ زَكَاتُهَا فَالزَّكَاةُ فِي عَيْنِهَا دُونَ قِيمَتِهَا كَالْمَوَاشِي وَالثِّمَارِ وَمَا لَمْ تَجِبِ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهَا لَمْ تَجِبْ فِي قِيمَتِهَا ، كَالْأَثَاثِ وَالْعَقَارِ فَلَمَّا كَانَ مَالُ التِّجَارَةِ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِ ، لَمْ تَجِبِ الزَّكَاةُ فِي قِيمَتِهِ .
[ ص: 283 ] قَالُوا : وَلِأَنَّ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ مِنَ الْأَمْوَالِ لَا تَأْثِيرَ إِلَيْهِ فِي سُقُوطِ زَكَاتِهَا بِحَالٍ ، كَالْمَوَاشِي وَالثِّمَارِ فَلَمَّا سَقَطَتْ زَكَاةُ التِّجَارَةِ إِذَا نُوِيَ بِهَا الْقِنْيَةِ ، عُلِمَ أَنَّ زَكَاتَهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ .
قَالُوا : وَلِأَنَّ مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ قَبْلَ إِرْصَادِ النَّمَاءِ ، فَلَا زَكَاةَ فِيهِ ، وَإِنْ عَرَضَ لِلنَّمَاءِ كَالْعَقَارِ إِذَا أُوجِرَ وَالْمَعْلُوفَةِ إِذَا اسْتُعْمِلَتْ فَلَمَّا كَانَتْ عُرُوضُ التِّجَارَةِ لَا زَكَاةَ فِيهَا ، قَبْلَ إِرْصَادِهَا لِلتِّجَارَةِ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا ، وَإِنْ أُرْصِدَتْ لِلتِّجَارَةِ فَهَذَا احْتِجَاجُ مَنْ أَسْقَطَ زَكَاةَ التِّجَارَةِ .
وَأَمَّا حُجَّةُ مَنْ أَوْجَبَ زَكَاتَهَا مَرَّةً ، فَهُوَ أَنْ قَالَ : الْمَقْصُودُ بِالتِّجَارَةِ حُصُولُ النَّمَاءِ بِالرِّبْحِ ، وَالرِّبْحُ إِنَّمَا يَحْصُلُ إِذَا نَضَّ الثَّمَنُ ، فَوَجَبَ أَنْ تَتَعَلَّقَ بِهِ زَكَاةُ عَامٍ وَاحِدٍ ، كَالثِّمَارِ . قَالُوا : وَلِأَنَّ فِي إِيجَابِ زَكَاتِهَا قَبْلَ أَنْ يَنِضَّ ثَمَنُهَا رِفْقًا بِالْمَسَاكِينِ وَإِجْحَافًا بِرَبِّ الْمَالِ ، لِأَنَّهُمْ تَعَجَّلُوا مِنْ زَكَاتِهَا مَا لَمْ يَتَعَجَّلِ الْمَالِكُ مِنْ رِبْحِهَا ، وَأُصُولُ الزَّكَوَاتِ مَوْضُوعَةٌ عَلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْمَسَاكِينِ وَبَيْنَ رَبِّ الْمَالِ فِي الِارْتِفَاقِ ، وَقَدْ كَانَ يَجِبُ تَقْدِيمُ هَذِهِ الدَّلَالَةِ عَلَى تِلْكَ : لِأَنَّ هَذِهِ تَدُلُّ عَلَى تَأْخِيرِ الزَّكَاةِ ، إِلَّا أَنْ يَنِضَّ الثَّمَنُ وَتِلْكَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إِذَا نَضَّ ثَمَنُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ إِلَّا زَكَاةُ عَامٍ وَاحِدٍ ، لَكِنْ سَنَحَ الْخَاطِرُ بِالْأُولَى ثُمَّ أَجَابَ بِالثَّانِيَةِ فَجَرَى الْقَلَمُ بِهِمَا كَذَلِكَ .
nindex.php?page=treesubj&link=2994وَالدَّلَالَةُ عَلَى وُجُوبِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=103خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً ، [ التَّوْبَةِ : 103 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=24فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ ، [ الْمَعَارِجِ : 24 ] ، وَأَمْوَالُ التِّجَارَةِ أَعَمُّ الْأَمْوَالِ فَكَانَتْ أَوْلَى بِالْإِيجَابِ ، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَيْسَ فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ " فَلَمَّا كَانَ مَانِعًا مِنَ الْحَقِّ فِي جَمِيعِ الْأَمْوَالِ دَلَّ عَلَى أَنَّ مَا أَثْبَتَ فِي الزَّكَاةِ عَامًّا فِي جَمِيعِ الْأَمْوَالِ : لِأَنَّ الزَّكَاةَ الْمُثْبَتَةَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنَ الْحَقِّ الْمَنْفِيِّ .
وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=922229بَعَثَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مُصَّدِّقًا فَرَجَعَ شَاكِيًا مِنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَالْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَابْنِ جَمِيلٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا خَالِدٌ فَقَدْ ظَلَمْتُمُوهُ : لِأَنَّهُ حَبَسَ أَدْرُعَهُ وَأَعْتُدَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْأَعْتُدُ : الْخَيْلُ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَدْرُعَ وَالْخَيْلَ لَا تَجِبُ فِيهَا زَكَاةُ الْعَيْنِ فَثَبَتَ أَنَّ الَّذِي وَجَبَ فِيهَا زَكَاةُ التِّجَارَةِ .
وَرَوَى
مَالِكُ بْنُ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ
عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ
أَبُو ذَرٍّ فَقَالَ لَهُ : كَيْفَ خَبَرُكَ يَا
أَبَا ذَرٍّ ؟ فَقَالَ بِخَيْرٍ ثُمَّ قَامَ إِلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ فَبَادَرَ النَّاسُ إِلَيْهِ وَاحْتَوَشُوهُ وَكُنْتُ فِيمَنِ احْتَوَشَهُ فَقَالُوا لَهُ : حِدِّثْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=922230فِي الْإِبِلِ صَدَقَتُهَا وَفِي الْبَقَرِ صَدَقَتُهَا وَفِي الْغَنَمِ صَدَقَتُهَا وَفِي الْبَزِّ صَدَقَتُهُ قَالَهُ بِالزَّاي مُعْجَمَةً وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْبَزَّ لَا تَجِبُ فِيهِ زَكَاةُ الْعَيْنِ فَثَبَتَ أَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ زَكَاةُ التِّجَارَةِ .
[ ص: 284 ] وَرَوَى
سُلَيْمَانُ بْنُ سَمُرَةَ عَنْ أَبِيهِ
سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ ، قَالَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=922231كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا أَنْ نُخْرِجَ الصَّدَقَةَ مِنَ الَّذِي يُعَدُّ لِلْبَيْعِ
وَرَوَى
ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ
عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=922076لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فِي فَرَسِهِ صَدَقَةٌ إِلَّا زَكَاةُ التِّجَارَةِ .
وَرَوَى
الْحَكَمُ عَنْ
مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=267أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ [ الْبَقَرَةِ : 267 ] ، قَالَ : زَكَاةُ التِّجَارَةِ ، وَلِأَنَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ إِنَّمَا خُصَّا مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْجَوَاهِرِ بِإِيجَابِ الزَّكَاةِ فِيهَا لِإِرْصَادِهِمَا لِلنَّمَاءِ ، وَطَرِيقُ النَّمَاءِ بِالتَّقَلُّبِ وَالتِّجَارَةِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ الْمَوْضُوعُ لِإِيجَابِ الزَّكَاةِ سَبَبًا لِإِسْقَاطِهَا ، وَأَمَّا الدَّلَالَةُ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إِخْرَاجُ زَكَاتِهَا إِلَّا إِذَا نَضَّ ثَمَنُهَا ، فَحَدِيثُ
حِمَاسٍ قَالَ : " مَرَرْتُ عَلَى
عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعَلَى عُنُقِي أَدَمَةٌ أَحْمِلُهَا فَقَالَ : أَلَا تُؤَدِّي زَكَاتَهَا يَا
حِمَاسُ فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا لِي غَيْرُ هَذِهِ وَأَهَبُ فِي الْقُرْظِ فَقَالَ : ذَاكَ مَالٌ فَوَضَعَ فَوَضَعْتُهَا بَيْنَ يَدَيْهِ فَحَسَبَهَا ، فَوَجَدَهَا قَدْ وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ ، فَأَخَذَ مِنْهَا الزَّكَاةَ " ، فَكَانَ فِي هَذَا الْخَبَرِ دَلِيلَانِ :
أَحَدُهُمَا : عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=2994وُجُوبِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ .
وَالثَّانِي : عَلَى وُجُوبِ إِخْرَاجِهَا قَبْلَ أَنْ يَنِضَّ ثَمَنُهَا .
وَالدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ زَكَاتَهَا فِي كُلِّ عَامٍ ، هُوَ أَنَّهُ مَالٌ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْحَوْلُ فَوَجَبَ أَنْ يُزَكَّى فِي كُلِّ حَوْلٍ كَالْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ فَهَذِهِ دَلَالَةٌ عَلَى الْفَرِيقَيْنِ ، وَلَوْلَا أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الدِّيَانَاتِ لَاقْتَصَرْتُ عَلَى بَعْضِ هَذِهِ الدَّلَائِلِ ، وَلَكِنْ لَيْسَ إِذَا قَلَّ أَنْصَارُ الْمُخَالِفِ وَضَعُفَ حِزْبُهُ مَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُوَفَّى الْعِلْمُ حَقَّهُ .
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ :
ابْتَغُوا فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى لَا تَأْكُلُهَا الصَّدَقَةُ ، فَهُوَ إِنَّمَا أَمْرٌ بِالتِّجَارَةِ لِيَكُونَ مَا يَعُودُ مِنْ رِبْحِهَا خَلَفًا عَمَّا خَرَجَ مِنْ زَكَاتِهَا ، وَلَمْ يَأْمُرْ بِهَا لِإِسْقَاطِ زَكَاتِهَا ، إِذْ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَأْمُرَ بِمَا يُسْقِطُ لِلَّهِ تَعَالَى حَقًّا أَوْ يُبْطِلُ لَهُ سُبْحَانَهُ وَاجِبًا .
وَأَمَّا قَوْلُهُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=922154عَفَوْتُ لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ ، فَلَسْنَا نُوجِبُ الصَّدَقَةَ فِيهَا وَإِنَّمَا نُوجِبُهَا فِي قِيمَتِهَا عَلَى أَنَّ عِرَاكَ بْنَ مَالِكٍ قَدِ اسْتَثْنَى فِي حَدِيثِهِ زَكَاةَ التِّجَارَةِ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَا لَمْ يَكُنْ لِلتِّجَارَةِ .
[ ص: 285 ] وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : إِنَّ مَا وَجَبَتْ زَكَاتُهُ فَالزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِ دُونَ قِيمَتِهِ قُلْنَا : الزَّكَاةُ وَجَبَتْ فِي الْقِيمَةِ دُونَ الْعَيْنِ ، وَإِخْرَاجُهَا مِنَ الْقِيمَةِ دُونَ الْعَيْنِ فَمَا وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ فَمِنْهُ يُؤَدَّى لَا مِنْ غَيْرِهِ وَلَيْسَ إِذَا لَمْ تَجِبِ فِي الْعَيْنِ يَقْتَضِي أَنْ لَا تَجِبَ فِي الْقِيمَةِ ، هَذَا مِمَّا لَا يُرْجَعُ فِيهِ إِلَى أَصْلٍ ، وَلَا يُعْتَبَرُ بِنَظِيرٍ وَلَا يُقْصَدُ بِدَلِيلٍ ، فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى أَنَّ الْقِيمَةَ عَيْنٌ ، وَالزَّكَاةُ فِيهَا .
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=3122مَا فِيهِ الزَّكَاةُ لَا تَأْثِيرَ لِلنِّيَّةِ فِيهِ قُلْنَا : لَيْسَتِ النِّيَّةُ مُسْقِطَةً ، وَلَا مُوجِبَةً ، وَإِنَّمَا إِرْصَادُهُ لِلنَّمَاءِ بِالتِّجَارَةِ مُوجِبٌ لِزَكَاتِهِ ، كَمَا أَنَّ إِرْصَادَ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ لِلتَّحَلِّي بِهِ مُسْقِطٌ لِزَكَاتِهِ ، فَلَمَّا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَالَ : إِنَّ النِّيَّةَ فِي الْحُلِيِّ مُسْقِطَةٌ لِزَكَاتِهِ كَذَلِكَ لَا يُقَالُ : إِنَّ النِّيَّةَ فِي التِّجَارَةِ مُوجِبَةٌ لِزَكَاتِهِ .
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : إِنَّ مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ قَبْلَ إِرْصَادِهِ لِلنَّمَاءِ ، فَلَا زَكَاةَ فِيهِ ، وَإِنْ أُرْصِدَ لِلنَّمَاءِ فَفَاسِدٌ بِالْحُلِيِّ لَا زَكَاةَ فِيهِ ، وَإِذَا أُرْصِدَ لِلنَّمَاءِ ، فَفِيهِ الزَّكَاةُ وَالْمَاشِيَةُ الْمَعْلُوفَةُ لَا زَكَاةَ فِيهَا ، وَلَوْ أُرْصِدَتْ لِلنَّمَاءِ بِالسَّوْمِ ، وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْتَبَرَ مَا أُرْصِدَ لِلنَّمَاءِ بِمَا لَمْ يُرْصَدْ لَهُ : لِأَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ بِإِرْصَادِهِ لِلنَّمَاءِ وَتَسْقُطُ بِفَقْدِهِ ، وَسَائِرُ الْأُصُولِ يَشْهَدُ بِهِ .
وَأَمَّا مَنْ مَنَعَ مِنْ إِخْرَاجِ زَكَاتِهَا قَبْلَ أَنْ يَنِضَّ ثَمَنُهَا اعْتِبَارًا بِالثَّمَرَةِ ، فَفَاسِدٌ بِمَا نَضَّ مِنْ ثَمَنِهَا قَبْلَ الْحَوْلِ ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنِ ارْتِفَاقِ الْمَسَاكِينِ قَبْلَ رَبِّهِ ، وَلَوْ كَانَ هَذَا مُعْتَبَرًا فِيمَا لَهُ حَوْلٌ لَمُنِعَ الْمَالِكُ مِنْ تَعْجِيلِ الِارْتِفَاقِ قَبْلَ الْمَسَاكِينِ ، فَلَمَّا جَازَ أَنْ يَتَعَجَّلَ الِارْتِفَاقَ بِرِبْحِ مَا حَصَّلَ قَبْلَ الْحَوْلِ ، وَإِنْ لَمْ يَرْتَفِقِ الْمَسَاكِينُ بِمِثْلِهِ جَازَ أَنْ يَتَعَجَّلَ الْمَسَاكِينُ مَا لَمْ يَنِضَّ ثَمَنُهُ ، وَلَمْ يُحَصَّلْ رِبْحُهُ ، وَإِنْ لَمْ يَرْتَفِقِ الْمَالِكُ بِمِثْلِهِ وَهَذَا جَوَابٌ عَنِ الدَّلَالَتَيْنِ مَعًا .