فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في الصيام لما كان حبس النفس عن الشهوات ، وفطامها عن المألوفات ، وتعديل قوتها الشهوانية ، لتستعد لطلب ما فيه غاية سعادتها ونعيمها ، وقبول ما تزكو به مما فيه حياتها الأبدية ، ويكسر الجوع والظمأ من حدتها وسورتها ، ويذكرها بحال الأكباد الجائعة من المساكين . المقصود من الصيام
وتضيق مجاري الشيطان من العبد بتضييق مجاري الطعام والشراب ، وتحبس قوى الأعضاء عن استرسالها لحكم الطبيعة فيما يضرها في معاشها ومعادها ، ويسكن كل عضو منها وكل قوة عن جماحه وتلجم بلجامه ، فهو لجام المتقين ، وجنة المحاربين ، ورياضة الأبرار والمقربين ، وهو لرب العالمين من بين سائر الأعمال ، فإن الصائم لا يفعل شيئا ، وإنما يترك شهوته وطعامه وشرابه من أجل معبوده ، فهو ترك محبوبات النفس وتلذذاتها إيثارا لمحبة الله ومرضاته ، وهو سر بين العبد وربه لا يطلع عليه سواه ، والعباد قد يطلعون منه على ترك المفطرات الظاهرة ، وأما كونه ترك طعامه وشرابه وشهوته من أجل معبوده ، فهو أمر لا يطلع عليه بشر ، وذلك حقيقة الصوم .
[ ص: 28 ] ، وحميتها عن التخليط الجالب لها المواد الفاسدة التي إذا استولت عليها أفسدتها ، واستفراغ المواد الرديئة المانعة لها من صحتها ، فالصوم يحفظ على القلب والجوارح صحتها ، ويعيد إليها ما استلبته منها أيدي الشهوات ، فهو من أكبر العون على التقوى ، كما قال تعالى : ( وللصوم تأثير عجيب في حفظ الجوارح الظاهرة والقوى الباطنة ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) [ البقرة 183 ] .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( ) . الصوم جنة
وأمر من اشتدت عليه شهوة النكاح ولا قدرة له عليه بالصيام ، وجعله وجاء هذه الشهوة .
والمقصود أن مصالح الصوم لما كانت مشهودة بالعقول السليمة والفطر المستقيمة ، شرعه الله لعباده رحمة بهم ، وإحسانا إليهم وحمية لهم وجنة .
وكان هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه أكمل الهدي ، وأعظم تحصيل للمقصود ، وأسهله على النفوس .
[ ص: 29 ] ولما كان فطم النفوس عن مألوفاتها وشهواتها من أشق الأمور وأصعبها ، تأخر فرضه إلى وسط الإسلام بعد الهجرة ، لما توطنت النفوس على التوحيد والصلاة ، وألفت أوامر القرآن ، فنقلت إليه بالتدريج.
- المقصود من الصيام وفوائده
- متى فرض الصيام
- إكثار العبادات في رمضان
- النهي عن الوصال
- فصل في ثبوت رمضان
- بحث في صوم يوم الشك
- فصل ثبوت شوال
- فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في الفطر
- فصل في الصوم في السفر
- ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم تقدير المسافة التي يفطر فيها الصائم بحد
- لا حرج في اغتسال الجنب بعد الفجر وفي تقبيل أزواجه وهو صائم
- صحة صيام من أكل ناسيا
- المفطرات
- الاكتحال للصائم
- فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في صيام التطوع
- صيام عاشوراء
- فصل صوم يوم عرفة
- صوم يومي السبت والأحد
- فصل صيام الدهر
- فصل في حكم صوم المتطوع
- كراهية تخصيص يوم الجمعة بالصوم
- فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في الاعتكاف