الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الشرط الرابع : حضور الأولياء كلهم واجتماعهم على القتل . وفي الكتاب : إذا كان القتل بغير قسامة وأحد الوليين غائب ; فإنما للحاضر أن يعفو ، وله حصته من الدية ، ولا يقتل حتى يحضر الغائب ، ويحبس القاتل حتى يحضر ، ولا يضمن ; إذ لا ضمان في النفس ، وإن كان له أولياء صغار وكبار : فللكبار أن يقتلوا ، ولا ينتظروا ليلا يفوت الدم ، بخلاف الغائب ; لأنه تكذيب له . ولما قتل ابن ملجم عليا رضي الله عنه أمر الحسن بقتله ، وكان لعلي رضي الله عنه ورثة صغار . فإن كان أحدهما مجنونا مطبقا ، فللآخر القتل ، وينتظر المغمى عليه والمبرسم حتى يفيق ; لأنه مرض . وإن مات أحد الأولياء قبل القصاص والقاتل وارثه ، بطل القصاص ; لأنه ملك من دمه حصة ، فهو كالعفو ، ولبقيتهم حصتهم من الدية ; لأنه ممكن التوزيع ، وإن مات وارث الدم ، فوارثه مقامه في العفو والقتل ، فإن كان في وارث الولي نساء ورجال ، فلهن من القتل والعفو ما للرجال ; لأنهن ورثن الدم [ ص: 342 ] عمن له العفو والقتل . وفي النوادر : إذا كان له ولد صغير وعصبة فلهم القتل أو العفو على الدية كاملة قبل كبر الولد ، وإن كان بالقسامة فلهم القسامة والقتل والعفو عن الدية ، فإن نكلوا خير القاتل حتى يبلغ الصبي فيقسمون ويقتلون أو يأخذون الدية ، قاله مالك . قال ابن حبيب : إن كان بينة فلا يعفو العصبة ، ويحبس حتى يبلغ الصبي لقوة البنوة وقوة الثبوت ، أو بقسامة فلهم العفو على الدية بإذن السلطان ، ولهم القتل الآن . قال مالك : وإن لم يكن إلا صغير ; فالأب يقتل أو يعفو على الدية ، أو الجد لا الجد للأم لأنه ليس عصبة ، فإن عدم له ولي فالسلطان أو من يوليه فيكون كالوصي ، ولا يصالح إن رأى ذلك إلا على الدية في ملأ القاتل ، وإن لم يكن مليا فله الصلح على دونها ، وإن صالح في ملائه على دونها طولب القاتل ; لقوله تعالى : ( ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن ) ولا يرجع القاتل على الخليفة بشيء ، وأما القتل فيمتنع ، وإن أقسم الكبار وللصبي وصي فلا يقتلوا إلا برأيه ، وإن عفا الأوصياء على الدية جاز ; لأنه المشروع الأغلب ، ودخل فيها الكبار لتعذر الدم ، أو عفوا على غير شيء امتنع ، وللكبار القتل لضعف شفقة الوصي عن حرقة الولي ، أو عفا الكبار نظر الوصي فإن رأى أن يأخذه صلحا فعل ، قاله أشهب . قال محمد : إن كانوا معهم في درجة واحدة ، جاز عفو من عفا عنهم لتساوي الرتبة ، وللباقي حصته من الدية ، أو طلبوا القتل نظر معهم أولياء الصغار ، ومن عفا منهم على الدية دخل فيها الباقون ، والعصبة عند أشهب غير الإخوة من قام بالدم ، فهو أولى من كبير [ ص: 343 ] أو ولي صغير ، ولا عفو إلا لجميعهم ، ولا يعفو أولياء الصغار مع الكبار إلا بنصيبهم من الدية ، وإلا فلهم القتل . وعن مالك : الوصي أولى بالقتل والعفو على الدية من الأولياء ; لأنه خليفة الأب . قال سحنون : لا ينتظر كبر الصغير إلا أن يكون راهق ، وإلا فللكبير القتل . وقال أشهب : لا ينتظر الغائب ( إلا إذا كان الأولياء من عفا منهم كان أولى ، وإن عفا بعض الحضور تم العفو ولا ينتظر الغائب ) وإن كان من قام منهم بالدم كان أولى فلمن حضر القتل ، ولا يتهم عفوه ، ويحبس القاتل حتى يكاتب الغائب ، وليس الصغير كالغائب لإمكان المكاتبة ، إلا أن يكون بعيد الغيبة فلمن حضر القتل ، ولا يتهم عفوه . قال سحنون : كالأسير ونحوه ، أما إفريقية من العراق فلا . وعن ابن القاسم : إن غاب بعضهم - وهو ممن له العفو - أو حلف ردت الأيمان على المدعى عليهم وانتظر أبدا ، ويؤمر من في درجته أن يقسموا لعلهم ينكلون فترد الأيمان ويبطل الدم ( في قسامة سم احتياط ، ليلا يموت هؤلاء ويقدم الغائب فلا بد من . . . ) فإن حلف . الحاضر الأفقد والغائب أو عفا أو حلف لم يبطل الدم ، حلف الحاضرون وقتلوا ، وإن كان واحدا ضم إليه إن وجد من يحلف ، وإن فقد المضمون مثل الغائب في البعد أو أبعد منه ويقتل . قال أشهب : لا ينتظر المبرسم والمغمى عليه ; إن من قام بالدم فهو أولى ، ولمن بقي الدية ، وإن كان المبرسم وحده أولى انتظر . قال ابن القاسم : لا ينتظر المجنون المطبق لبعده عادة . وقال أشهب : إن كان من عفا كان أولى فللمجنون حظه من الدية ، وإن كان من عفا من قام بالدية كان أولى فالصحيح : القتل بأمر الإمام ، ولا يقام للمجنون أحد إلا من قام بالقتل فهو أولى . قال ابن القاسم : إن كان صغير وكبير ، لم ينتظر بلوغ الصبي ، ولا يقسم [ ص: 344 ] وصيه ، ويقسم الكبير مع بعض العصبة ، ويكون للكبير القتل مع وصي الصغير ، أو كبيران وصغير ، أقسم الكبيران وقتلوا مع ولي الصغير ، قال ابن القاسم : للمقتول وليان قام أحدهما فقتل القاتل ، لا قتل عليه ، ويغرم للآخر نصف الدية ; لأنه أبطل ما كان له أن يعفو عنه على نصف الدية .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في النوادر : إن عتق ابن المقتول بعد القتل ، فلا مدخل له في الدم ، بل يستعين به الأولياء إن احتاجوا ، وقال مطرف : لا يستعين به الأولياء لعدم أهليته عند القتل . قال عبد الملك : وإن ألحق بأبيه بحكم ، أدخل في الولاية ، ويقسم مع من تقدمت قسامته من إخوته بقدر ما لو كان يوم القسامة لاحقا لا قسامة إلا أن يكون أمثاله خمسون قد أقسموا فيستغنى عنه ، وإن كان المقسمون بني عم فلحق ابن ، سقطت قسامتهم وصار اللاحق له وحده مؤتنف القسامة . قال : قال أشهب : يقوم مقام الولي إذا مات ، من ورثته من له القيام بدمه لو كان هو مقتولا ، وإن ورثه رجال ونساء فلا عفو للنساء إن كن بنات إلا مع العصبة ، ولا عفو للعصبة إلا بهن ، وكذلك العصبة والأخوات وإن كان أحد ورثة المقتول : بنت الميت ، أو رجل عصبة ; فالقود قائم حتى يجتمع كل من في دم المقتول نظر على العفو . قال ابن القاسم وأشهب : إذا كان للمقتول بنون وبنات ، فماتت بنت وتركت بنين فلا شيء لهم في العفو ولا القيام ; لأنه ليس لأبيهم ولهم شيء ، فإن عفا بعض بني المقتول ، فلهم نصيبهم من الدية . قال محمد : إن كانوا أما ، وبنتا ، وعصبة ، وابن عم ، أو موالي ، فمن مات فورثته مقامه إلا الزوج والزوجة ، ومن [ ص: 345 ] قام بالدم أولى ، فإن اختلف وارث الدم ومن بقي من الأصول ( فلا عفو إلا باجتماعهم ، ويدخل غرماء الوارث إذا مات مع الورثة في القسامة لحقهم ) في المال فهم أولى من الورثة ، فهم يقسمون ويستحقون ، وإن أقسم الورثة ولم يعلموا بالغرماء أخر ، أو حلف الغرماء : ما قبضوا شيئا من ديتهم ، فمن حلف بقي حقه للورثة ، وإنما يحلف الغرماء إذا أحاط دينهم فيقومون مقام غريمهم الميت مع بقية الأولياء ، وإن طرأ غريم لم يعلم به ; حلف ما كان يحلف لو حضر .

                                                                                                                قاعدة : الوارث يرث المال دون العقل والرأي والخصائص البدنية والآراء النفسانية ، فلذلك لا يرث اللعان ، ولا فيئة الإيلاء ، ولا ما فوض إليه المتبايعان ، أو المعلق من المشيئة والاختيار ، ويرث الشفعة ، وخيار البيع ، والرد بالعيب ونحوها ; لأنه بائع بالمال ، فكل ما هو مال أو تابع له ، يورث ، وما لا فلا ، واستثني أمران : حد القذف والقصاص ، لما يدخل فيها على الوارث من الضرر والعار وفقد الانتصار ; فجعل له التشفي بالعقوبات والإضرار .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية