الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الركن السادس : في تغليظها ، في الموطأ : أن رجلا من مدلج يقال له : [ ص: 397 ] قتادة حذف ابنه بالسيف فأصاب ساقه ونزي في جرحه فمات ، فقدم سراقة بن جعشم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فذكر ذلك له ، فقال له : اعدد على ماء قديد عشرين ومائة بعير حتى أقدم عليك ، فلما قدم عليه عمر أخذ من تلك الإبل ثلاثين حقة ، وثلاثين جذعة ، وأربعين خلفة في بطونها أولادها ، ثم قال : أين أخو المقتول ؟ فقال : ها أنا ذا فقال : خذها ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ليس لقاتل شيء ) وفي التنبيهات : المدلجي بضم الميم وكسر اللام ، منسوب إلى بني مدلج ، وسراقة بضم السين ، وقديد بضم القاف ودالين مهملتين مصغر ، وفي المنتقى : إنما خص سراقة ; لأنه سيد القوم ، وهو يدل على وجوبها على العاقلة ، أو لأنه هو الذي سأله عن القضية ، فيلزم الأب بإحضارها من ماله ، ولذلك وقع الخلاف في هذا ، وقوله : مائة وعشرين ، يريد ليختار منها المائة .

                                                                                                                وفي الكتاب : لا تغلظ الدية إلا فيما فعل المدلجي بابنه ، فإن الأب إذا قتل ابنه بحديدة فإنما تظهر معه الشبهة كما تقدم درءا للقود ، وغلظت الدية في ماله حالة ، ولا يرث الأب في هذا من مال الولد لا من ديته شيئا ; لأنه من العمد لا من الخطأ ، والأم كالأب ، ويغلظ على الحر كالأب ، وإن قطع الأب شيئا من أعضاء الولد أو جرحه كمثل ما فعل المدلجي بابنه تغلظ فيه في ماله حالة ، ولا تغليظ في أخ ، ولا أخت ، ولا زوجة ، ولا زوج ، ولا قريب غير ما تقدم ، ولا في الشهر الحرام ، ولا من قتل خطأ في الحرم ، وتغلظ على أهل الذهب والورق فينظر كم قيمة أسنان الدية المغلظة ، وقد تقدم بيانها وكم قيمة أسنان دية الخطأ وقد تقدمت ، فإذا زادت المغلظة نظر كم ذلك من دية الخطأ ، فإن كان ربعها ، فله دية وربع ، وكذلك غير الربع .

                                                                                                                وفي النكت : تقوم دية الخطأ ودية التغليظ على أهل الذهب على أنها حالة حاضرة ; لأن الخطأ مؤجلة ، ولو روعي هذا لروعي في المغلظة أنها على فقير أو ملي ، تقوم على حالة فقره وملائه ، ودية الخطأ مأمونة على العاقلة ، فربما زادت قيمتها على [ ص: 398 ] المغلظة للأمن ، وإنما يعتبر حضور الجميع ، قال ابن حبيب : إن نزل هذا ببلد لا إبل فيه كالأندلس : اعتبر أقرب البلدان إليهم . قال بعض الشيوخ : إذا جرح الأب ابنه ما لا قصاص فيه على قول مالك ، تغلظ عليه الدية ; لأنه لا يورث بالتغليظ بدل الأب والأجنبي يؤدب ، وقال عبد الملك : لا يغلظ عليه ( كالأجنبي ، والتغليظ بدل القصاص لا بدل الأب ، قال عيسى : قال مالك : يغلظ عليه ) ولست أرى ذلك . قال اللخمي : إن وجب شبه العمد على أهل الذهب فثلاثة أقوال لمالك : لا تغلظ ، ورجع إلى أنها تغلظ وتقوم ، كما قال في المدونة وعنه تلزمهم قيمة المغلظة ما بلغت ما لم تنقص عن ألف دينار أو اثني عشر ألف درهم ، وقول المدونة أحسن ; لأن قيمتها مطلقا قد تؤدي إلى سقوط التغليظ بأن تكون القيمة ألف دينار ، واختلف في تغليظ العمد على أهل العين . قال ابن القاسم : لا تغلظ ، وقال أشهب : تغلظ وينظر إلى قيمة العمد من الإبل ، وهي الأرباع من قيمة الخطأ ، ويزاد ذلك الجزء ، وعلى قول مالك في شبه العمد : تجب قيمة ديته مطلقا : تجب هاهنا قيمة العمد على ذلك الشرط ، وعليه ما عليه . قال في النوادر : قال ابن القاسم : تغلظ الدية على الأب ، وأن الأب ، والأم ، وأم الأم ، وقف عن أم الأب ، وقال عبد الملك : جميع الجدود والجدات مثل الأبوين ، وقال أشهب : أم الأب كالأم وأب الأم كالأجنبيين ، واتفقوا في التغليظ في الجد والجدة للأب ، واختلفوا في الجد والجدة من قبل الأم . قال ابن القاسم : كالأب ، وقال أشهب : كالأجنبي ، والثابت عن مالك وأصحابه : أن التغليظ في الجراح كالنفس إذا كانت مثل فعل المدلجي بابنه ، وإن ذكر عنه غير ذلك ، واتفقوا على أنه إنما ينظر في التقويم إلى ما زادت المغلظة على الخمسة كم هو وجزء منها ولا يجوز أن يقال كم هو جزء منها ولا يجوز أن يقال : كم هو جزء من المغلظة ، قال ابن القاسم : نفس المغلظة على أهل الذهب أو الورق دية وثلث .

                                                                                                                [ ص: 399 ] فرع

                                                                                                                في الجواهر : إذا قتل المجوسي ابنه لا تغلظ عليه الدية ; لأنها ليست مستخرجة من دية ، وأنكره سحنون وقال : أصحابنا يرون التغليظ عليهم إذا حكم بينهم ; لأن علة التغليظ سقوط القود .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في المنتقى : الجراح قسمان : ما لا يقتص منها ، كالجائفة وأختاها ، قال سحنون : لا تغلظ ; لعدم القود فيها ، والتغليظ بدله . وعن مالك : تغلظ قياسا على النفس ، وما يقتص منه بين الأجانب إذا وقع من الأب على فعل المدلجي ، فعن مالك : تغلظ كالقتل ، وإذا قلنا بالتغليظ ، فعن ابن القاسم في الصغير والكبير ، وعنه : إذا بلغ ثلث الدية فأكثر ، وإذا قلنا بتغليظها على أهل الإبل ففي تغليظها على أهل العين روايتان ، وبه قال ابن القاسم .

                                                                                                                تنبيه : وافقنا ( ح ) على أنها لا تغلظ للشهر الحرام ، وقال ( ش ) : تغلظ . لنا : قوله تعالى : ( ودية مسلمة ) ولم يفرق ; ولأن الحدود لا تغلظ بالبقاع ، فكذلك الدية . احتجوا بأنه مروي عن عمر ، وعثمان ، وابن عباس ، رضي الله عنهم . وجوابه : أن الكتاب والقياس مقدمان على قول الصحابي .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية