الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 254 ] باب الراهن غير مضمون

                                                                                                                                            قال الشافعي رضي الله عنه : " أخبرنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك ، عن ابن أبي ذئب ، عن الزهري ، عن ابن المسيب ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يغلق الرهن ، والرهن من صاحبه الذي رهنه ، له غنمه وعليه غرمه ووصله ابن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله أو مثل معناه من حديث ابن أبي أنيسة ( قال الشافعي ) وفيه دليل أنه غير مضمون إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم الرهن من صاحبه فمن كان منه شيء فضمانه منه لا من غيره ثم أكده بقوله له غنمه وعليه غرمه وغنمه سلامته وزيادته ، وغرمه عطبه ونقصانه ، ألا ترى لو ارتهن خاتما بدرهم يساوي درهما فهلك الخاتم فمن قال ذهب درهم المرتهن بالخاتم زعم أنه غرمه على المرتهن ؛ لأن درهمه ذهب ، وكان الراهن بريئا من غرمه ؛ لأنه قد أخذ ثمنه من المرتهن ولم يغرم له شيئا ، وأحال ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( قال ) وقوله صلى الله عليه وسلم لا يغلق الرهن لا يستحقه المرتهن بأن يدع الراهن قضاء حقه عند محله ، ( قال الشافعي ) ملك الرهن لربه والمرتهن غير متعد بأخذه ولا مخاطر بارتهانه ؛ لأنه لو كان إذا هلك بطل ماله كان مخاطرا بماله ، وإنما جعله الله تبارك وتعالى وثيقة له ، وكان خيرا له ترك الارتهان بأن يكون ماله مضمونا في جميع مال غريمه " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : اختلف الناس في الرهن هل هو مضمون على المرتهن أو غير مضمون على خمسة مذاهب :

                                                                                                                                            إحداها : وهو مذهبنا : أن الرهن أمانة لا يضمن إلا بالتعدي ، وبه قال من الصحابة أبو هريرة رضي الله عنه ، ومن التابعين ابن المسيب ، ومن الفقهاء ابن أبي ذئب ، وأحمد بن حنبل ، وأبو ثور .

                                                                                                                                            والمذهب الثاني : أن الرهن مضمون بأقل أمرين من قيمته أو الحق المرهون فيه ، مثاله : أن تكون قيمة الرهن ألفا والحق ألفين فيكون مضمونا بالقيمة وهي ألف ، ولو كان قيمة الرهن ألفين والحق ألفا كان مضمونا بالحق وهو ألف ، وبه قال من الصحابة عمر ، [ ص: 255 ] ومن الفقهاء أبو حنيفة وصاحباه وإبراهيم النخعي ، وسفيان الثوري .

                                                                                                                                            والمذهب الثالث : أن الرهن مضمون بقيمته وإن زادت على الحق ويترادا في الفضل ، فإن كانت قيمة الرهن ألفا والحق ألفين ضمنه المرتهن بألف ورجع على الراهن ببقية القيمة وهي ألف ، وبه قال من الصحابة علي رضي الله عنه ومن التابعين عطاء ، ومن الفقهاء إسحاق .

                                                                                                                                            والمذهب الرابع : أن الرهن مضمون بالحق فإن كان الحق ألفين وقيمة الرهن ألفا ضمنه بالحق وهو ألفين ، وإن كان الحق ألفا وقيمة الرهن ألفين ضمنه بالحق وهو ألف ، حتى قال أصحاب هذا المذهب : لو كان قيمة الرهن درهما والحق ألفا ضمنه بألف ، وبه قال من التابعين شريح ، والحسن البصري ، وعامر الشعبي .

                                                                                                                                            والمذهب الخامس : أنه إن كان تلفه ظاهرا كالنصب والحريق وانهدام الدار ونفاق الحيوان فهو غير مضمون ، وإن كان تلفه باطنا كالسرقة فهو مضمون بقيمته وهو مذهب مالك ، فهذه جملة مذاهب الناس في ضمان الرهن .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية