الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " فإن ضمن بأمره وغرم رجع بذلك عليه وإن تطوع بالضمان لم يرجع " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح ، وجملته أن من ضمن مالا عن غيره وأداه عنه لم يخل حاله فيه من أربعة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن يضمن عنه بغير أمره ويؤديه بغير أمره .

                                                                                                                                            والثاني : أن يكون الضمان بأمره والأداء بأمره .

                                                                                                                                            والثالث : أن يضمن بغير أمره ويؤديه به بأمره .

                                                                                                                                            والرابع : أن يضمن عنه بأمره ويؤديه بغير أمره .

                                                                                                                                            فأما القسم الأول وهو أن يضمن عنه بغير أمره ويؤديه بغير أمره فلا رجوع له بما أدى [ ص: 438 ] بحال ، وقال مالك : إن قصد به خلاص المضمون عنه لمودة بينهما ، أو صرح بالرجوع عند الأداء رجع عليه ، وهذا خطأ لأن عليا ، وأبا قتادة لو استحقا الرجوع بما ضمنا لما كان في ضمانهما فك لرهان الميت ، ولأنه متطوع بالضمان والأداء فصار كمن أنفق على رقبة غيره أو علف بهائمه لم يرجع بما أنفق لتطوعه .

                                                                                                                                            وأما القسم الثاني وهو أن يضمن عنه بأمره ويؤدي عنه بأمره فله الرجوع لا يختلف ؛ لأن الأمر به في الحالين يخرجه من حكم التطوع .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : وهو أن يضمن عنه بغير أمره ويؤديه بأمره ، فله في الأمر بالأداء ثلاثة أحوال :

                                                                                                                                            حال يقول : أد ما ضمنته من غير أن يقول : أد عني ذلك فهذا لا رجوع للضامن به لا يختلف ؛ لأن هذا أمر بما كان لازما له بالضمان ، الذي تطوع به .

                                                                                                                                            والحال الثاني : أن يقول أد عني ما ضمنته لترجع به علي ، فله الرجوع بذلك لا يختلف : لأنه قد شرط له الرجوع في أمره بالأداء .

                                                                                                                                            والحال الثالث : أن يقول : أد عني ما ضمنته ، ففي رجوعه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : يرجع به : لأنه أمره بالغرم عنه .

                                                                                                                                            والثاني : لا يرجع به لأن هذا الأمر يحتمل أن يراد به التطوع ، ويحتمل أن يراد به الرجوع .

                                                                                                                                            وأما القسم الرابع وهو أن يضمن عنه بأمره ويؤديه بغير أمره فهذا ينظر ، فإن أداه بعد المطالبة له والتشديد عليه ومحاكمته فله الرجوع بما أدى : لأنه مستحق عليه بالضمان المأمور به ، وإن أداه قبل المطالبة به ففي رجوعه به وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : لا رجوع له به : لأنه يصير قبل المطالبة متطوعا بالأداء .

                                                                                                                                            والوجه الثاني وهو الصحيح وبه قال أبو علي بن أبي هريرة وأكثر أصحابنا : له الرجوع ؛ لأن الأداء مستحق بالضمان المأمور به ، فصار مؤديا ما وجب بالأمر ، وهكذا حال الوكيل في الشراء إن أذن له الموكل في وزن الثمن عنه كان له الرجوع به ، وإن نهاه عن وزن الثمن عنه لم يكن له الرجوع به ، وإن لم يأذن له في وزنه ولم ينهه عنه فإن وزنه عنه بعد المحاكمة والمطالبة فله الرجوع به ، وإن وزنه قبل المطالبة ففي الرجوع به وجهان .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية