الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          إذا شهدت بينة على ميت أنه أوصى بعتق سالم ، وهو ثلث ماله ، وشهدت أخرى أنه أوصى بعتق غانم ، وهو ثلث ماله ، أقرع بينهما ، فمن تقع له القرعة عتق دون صاحبه إلا أن يجيز الورثة ، وقال أبو بكر وابن أبي موسى : يعتق من كل واحد نصفه بغير قرعة ، وإن شهدت بينة غانم أنه رجع عن عتق سالم ، عتق غانم وحده ، سواء كانت وارثة أو لم تكن ، وإن كانت قيمة غانم سدس المال ، وبينته أجنبية قبلت ، وإن كانت وارثة عتق العبدان ، وقال أبو بكر : يحتمل أن يقرع بينهما ، فإن خرجت القرعة لسالم عتق وحده ، وإن خرجت لغانم عتق هو ونصف سالم ، وإن شهدت بينة أنه أعتق سالما في مرضه ، وشهدت الأخرى أنه وصى بعتق غانم ، وكل واحد منهما ثلث المال عتق سالم وحده ، وإن شهدت بينة غانم أنه أعتقه في مرضه أيضا عتق أقدمهما تاريخا ، فإن جهل السابق عتق أحدهما بالقرعة ، فإن كانت بينة أحدهما وارثة ولم تكذب الأجنبية فكذلك ، وإن قالت : ما أعتق سالما ، وإنما أعتق غانما ، عتق غانم كله ، وحكم سالم كحكمه لو لم يطعن في بينته ، في أنه يعتق إن تقدم تاريخ عتقه ، أو خرجت له القرعة ، وإلا فلا ، فإن كانت الوارثة فاسقة ، ولم تطعن في بينة سالم عتق سالم كله ، وينظر في غانم فإن كان تاريخ عتقه سابقا ، أو خرجت القرعة له عتق كله ، وإن كان متأخرا أو خرجت القرعة لسالم لم يعتق منه شيء .

                                                                                                                          وقال القاضي : يعتق من غانم نصفه ، وإن كذبت بينة سالم عتق العبدان .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل .

                                                                                                                          ( إذا شهدت بينة على ميت أنه أوصى بعتق سالم ، وهو ثلث ماله ، وشهدت أخرى بعتق غانم ، وهو ثلث ماله ، أقرع بينهما ، فمن تقع له القرعة عتق [ ص: 178 ] دون صاحبه ) لأنه لم تترجح بينة أحدهما على الأخرى ، والقرعة مرجحة ، بدليل الإمامة ( إلا أن يجيز الورثة ) لأن الوصيين سواء ، وسواء اتفق تاريخهما أو اختلف ، ولأن الوصية يسوى فيها بين المتقدم والمتأخر ( وقال أبو بكر وابن أبي موسى : يعتق من كل واحد نصفه بغير قرعة ) لأن القسمة أقرب إلى الصواب ، ولأن القرعة إنما تجب إذا كان أحدهما حرا والآخر عبدا ، والأول هو قياس المذهب ؛ لأن الإعتاق بعد الموت كالإعتاق في مرض الموت فتعينت القرعة ، ولحديث عمران ، لأن المقتضى من أحدهما في الحياة موجود بعد الممات .

                                                                                                                          والمذهب ـ كما جزم به أئمة المذهب ـ : أنه إذا شهدت بينة وارثه بعتق سالم في مرض موته وهو ثلث ماله ، وبينة وارثه بعتق غانم وهو كذلك ، وأجيز الثلث فكأجنبيين يعتق أسبقهما ، على الأصح ، وإن سبقت الأجنبية فكذبتها الوارثة ، أو سبقت الوارثة ـ وهي فاسقة ـ عتقا ، وإن جهل أسبقهما عتق واحد بقرعة ، وقيل : يعتق نصفهما ، وإن كانت الوارثة فاسقة غير مكذبة عتق سالم وحده ، ووقف عتق غانم على قرعة ، أو يعتق نصفه على الآخر ، وإن جمعت الوارثة الفسق والتكذيب ، أو الفسق والشهادة بالرجوع عن عتق سالم عتقا معا ( وإن شهدت بينة غانم أنه رجع عن عتق سالم عتق غانم وحده ، سواء كانت وارثة أو لم تكن ) لأنه لا تهمة في ذلك .

                                                                                                                          لا يقال : هما يثبتان ولاء سالم لأنفسهما ؛ لأنهما يسقطان ولاء غانم [ ص: 179 ] أيضا . على أن الولاء إنما هو إثبات سبب الميراث ، ومثل ذلك لا ترد به الشهادة ( وإن كانت قيمة غانم سدس المال ، وبينته أجنبية قبلت ) لعدم التهمة فيها ، فعلى هذا يعتق غانم وحده ( وإن كانت وارثة عتق العبدان ) على المذهب ، وقدمه في " المحرر " و " المستوعب " و " الرعاية " أما سالم فلشهادة الأجنبية بالوصية بعتقه ، وأما غانم فلإقرار الورثة بعتقه ، مع أنه أقل من ثلث الباقي ( وقال أبو بكر : يحتمل أن يقرع بينهما ) لأن التهمة في حق الورثة إنما هو في حق الرجوع ، فتبطل الشهادة بهما ، ويبقى أصل العتق لغانم ، فاحتيج إلى القرعة ليتميز المستحق من غيره ( فإن خرجت القرعة لسالم عتق وحده ) لأنه ثلث المال ( وإن خرجت لغانم عتق هو ونصف سالم ) لأن ذلك ثلث المال ، كما لو لم تشهد بالرجوع ، فإن الشهادة بالرجوع لم تقبل ، فكأن وجودها كعدمها ، وقال أبو بكر : يجوز على مذهبه أن يعتق من الذي قيمته الثلث نصفه ، ويقرع بين العبدين ، فأيهما وقعت عليه القرعة عتق ، وإن قلنا بالقسمة ، عتق من كل واحد ثلثاه ( وإن شهدت بينة أنه أعتق سالما في مرضه ، وشهدت الأخرى أنه وصى بعتق غانم ، وكل واحد منهما ثلث المال عتق سالم وحده ) لأن عطايا المريض مقدمة على وصاياه لرجحانها بنفس الإيقاع ( وإن شهدت بينة غانم أنه أعتقه في مرضه ) ولا تاريخ ثبت إعتاقه لهما بشرطه ؛ لأن ما شهدت به كل بينة لا تنفي ما شهدت به الأخرى ( عتق أقدمهما تاريخا ) لأن عطايا المريض يقدم فيها الأسبق فالأسبق ( فإن جهل السابق ) بأن اتفق تاريخهما أو أطلقتا أو إحداهما ، [ ص: 180 ] فهما سواء لعدم المزية ( عتق أحدهما بالقرعة ) لأن البينتين تساوتا فاحتيج إلى التمييز ، والترجيح حاصل بالقرعة ، وقيل : يعتق من كل واحد نصفه ( فإن كانت بينة أحدهما وارثة ولم تكذب الأجنبية فكذلك ) أي : يعتق أقدمهما تاريخا مع العلم به ، أو أحدهما بالقرعة مع الجهل به ؛ لأن الوارثة غير متهمة ولا مكذبة ، وهي بمثابة الأجنبي .

                                                                                                                          ولو كانت البينتان أجنبيتين لكان الأمر كذلك ، فكذا إذا كانت إحداهما وارثة ( وإن قالت : ما أعتق سالما ، وإنما أعتق غانما ، عتق غانم كله ) لإقرار الورثة بعتقه ، وقيل : يعتق ثلثاه إن حكم بعتق سالم وهو ثلث الباقي ؛ لأن العبد الذي شهدت الأجنبيتان كالمغصوب من التركة ، والأول أصح ؛ لأن المعتبر خروجه من الثلث حال الموت ، وحال الموت في قول الورثة لم يعتق سالم ، إنما عتق بالشهادة بعد الموت ( وحكم سالم كحكمه لو لم يطعن في بينته ، في أنه يعتق إن تقدم تاريخ عتقه ، أو خرجت له القرعة ، وإلا فلا ) لأن طعن الوارثة في الأجنبية غير مقبول ؛ لأن الأجنبية مثبتة والوارثة نافية ، والمثبت مقدم على النافي ، وإذا لم يقبل الطعن صار طعنها كلا طعن ، ولو لم تطعن الوارثة في الأجنبية لكان الحكم كما ذكر ، فكذا ما هو بمنزلته ( فإن كانت الوارثة فاسقة ، ولم تطعن في بينة سالم عتق سالم كله ) لأن البينة العادلة شهدت بعتقه ، ولم يوجد ما يعارضها ( وينظر في غانم فإن كان تاريخ عتقه سابقا ، أو خرجت له القرعة عتق كله ) كإقرار الورثة أنه هو المستحق للعتق ( وإن كان متأخرا أو خرجت القرعة لسالم لم يعتق منه شيء ) [ ص: 181 ] لأن بينته لو كانت عادلة لم يعتق منه شيء ، فإذا كانت فاسقة أولى ( وقال القاضي : يعتق من غانم نصفه ) لأنه استحق العتق بإقرار الورثة مع ثبوت العتق للآخر بالبينة العادلة ، فصارت بالنسبة إليه كأنه أعتق العبدين ، فيعتق منه نصفه في الأحوال كلها ، قال : المؤلف وهذا لا يصح ، فإنه لو أعتق العبدين لأعتقنا أحدهما بالقرعة ؛ ولأنه في حال تقديم تاريخ عتق من شهدت له البينة لا يعتق منه شيء ، ولو كانت بينته عادلة ، فمع فسقها أولى ( وإن كذبت بينة سالم عتق العبدان ) لأن سالما مشهود بعتقه ، وغانم مقر له بأنه لا مستحق للعتق سواه ، وقيل : يعتق سواه ، وقيل : يعتق من غانم ثلثاه ، والأول أولى .

                                                                                                                          فرع : ذكر أكثر أصحابنا أن التدبير مع التنجيز ، كآخر التنجيزين مع أولهما ؛ لأن التدبير تنجيز بالموت ، فوجب أن يتأخر عن المنجز في الحياة ، أشبه إذا شهد عدلان أن زيدا أوصى لعمرو بثلث ماله ، وشهد آخران أنه وصى لبكر بثلث ماله ، وشهد آخران أنه رجع عن وصية أحدهما ، أقرع بينهما فمن قرع قدم ، وإن تأخرت وصيته ، ذكره ابن أبي موسى والسامري ، وذكر أبو بكر : أنه قياس قول أحمد ، وإذا صح الرجوع عن إحداهما بغير تعيين صحت الشهادة به ؛ لأن الوصية تصح بالمجهول وتصح الشهادة فيها بالمجهول .

                                                                                                                          وقال القاضي : لا تصح الشهادة ؛ لأنهما لم يعينا المشهود عليه ، كما لو قالا : نشهد أن لهذا على أحد هذين ألفا ، فلو شهد اثنان أنه وصى لزيد بثلث ماله [ ص: 182 ] وشهد واحد أنه وصى لعمرو بثلث ماله ، انبنى على الخلاف .

                                                                                                                          أحدهما : يتعارضان ، فيحلف عمرو مع شاهده ، ويقسم الثلث بينهما .

                                                                                                                          والثاني : لا ، فينفرد زيد بالثلث ، وتقف وصية عمرو على إجازة الورثة .

                                                                                                                          فأما إن شهد واحد بالرجوع عن وصية زيد فلا تعارض ، ويحلف عمرو مع شاهده وتثبت له الوصية .

                                                                                                                          والفرق بينهما : أن في الأولى تقابلت البينتان فقدمنا أقواهما .

                                                                                                                          وفي الثانية : لم تتقابلا وإنما ثبت الرجوع ، وهو يثبت بالشاهد واليمين ، لأن المقصود منه المال .




                                                                                                                          الخدمات العلمية