الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          إذا مات رجل وخلف ولدين مسلما وكافرا ، فادعى كل واحد منهما أنه مات على دينه ، فإن عرف أصل دينه فالقول قول يدعيه ، وإن لم يعرف فالميراث للكافر ؛ لأن المسلم لا يقر ولده على الكفر في دار الإسلام وإن لم يعترف المسلم أنه أخوه ، ولم تقم به بينة ، فالميراث بينهما ، ويحتمل أن يكون للمسلم ؛ لأن حكم الميت حكم المسلمين في غسله والصلاة عليه ، وقال القاضي : القياس أن يقرع بينهما يحتمل أن يقف الأمر حتى يظهر أصل دينه ، وإن أقام كل واحد بينة أنه مات على دينه تعارضتا ، وإن قال شاهدان : نعرفه مسلما ، وقال شاهدان : كافرا ، فالميراث للمسلم إذا لم يؤرخ الشهود معرفتهم ، وإن خلف أبوين كافرين ، وابنين مسلمين ، فاختلفوا في دينه ، فالقول قول الأبوين ، ويحتمل أن القول قول الابنين ، وإن خلف ابنا كافرا ، وأخا وامرأة مسلمين ، واختلفوا في دينه فالقول قول الابن ، على قول الخرقي ، وقال القاضي : يقرع بينهما ، وقال أبو بكر : قياس المذهب أن تعطى المرأة الربع ويقسم الباقي بين الابن والأخ نصفين ، ولو مات مسلم وخلف ولدين مسلما وكافرا ، فأسلم الكافر ، وقال : أسلمت قبل موت أبي ، وقال أخوه : بل بعده فلا ميراث له ، فإن قال : أسلمت في المحرم ، ومات أبي في صفر ، وقال أخوه : بل مات في ذي الحجة ، فله الميراث مع أخيه .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل .

                                                                                                                          ( إذا مات رجل وخلف ولدين مسلما وكافرا ، وادعى كل واحد منهما أنه مات على دينه ، فإن عرف أصل دينه ) من إسلام أو كفر ( فالقول قول مدعيه ) رواية واحدة ، إن حلف لأن الأصل بقاء ما كان عليه كسائر المواضع ( وإن لم يعرف فالميراث للكافر ) جزم به الأصحاب ، إن اعترف المسلم بأخوة الكافر ( لأن المسلم لا يقر ولده على الكفر في دار الإسلام ) ولأنه معترف بأن أباه كان كافرا أو هو يدعي إسلامه ، فجعل أصل دينه الكفر ، والقول قول مدعي الأصل .

                                                                                                                          [ ص: 183 ] وعنه : هو بينهما . رواها ابن منصور ، اعترف أنه أخوه أو لا ، وقيل : هو للمسلم ؛ لأن الدار دار الإسلام ، فيحكم بإسلام لقيطها ، ولأنه يجوز أن يكون أخوه الكافر مرتدا لم تثبت عند الحاكم ردته ( وإن لم يعترف المسلم أنه أخوه ولم تقم به بينة ، فالميراث بينهما ) لأنهما سواء في اليد والدعوى ، أشبه ما لو تداعيا عينا في أيديهما ( ويحتمل أن يكون للمسلم ؛ لأن حكم الميت حكم المسلمين في غسله والصلاة عليه ) والدفن وغير ذلك ( وقال القاضي : قياس المذهب أن يقرع بينهما ) إن لم تكن التركة في أيديهما ، فمن قرع حلف واستحق ، وإن كانت في أيديهما ، قسمت بينهما نصفين ويتحالفان ، قدمه في " الرعاية " ، وهو سهو لاعترافهما أنه إرث ، ومقتضى كلام القاضي أن التركة إذا كانت بيد أحدهما أنها له مع يمينه ، وهذا لا يصح ؛ لأن كلا منهما يقر بأن هذه التركة تركة هذا الميت ، وأنه إنما يستحق بالميراث فلا حكم ليده ( يحتمل أن يقف الأمر حتى يظهر أصل دينه ) لأنه لا يعلم المستحق إلا بذلك .

                                                                                                                          قال أبو الخطاب : أو يصطلحا ؛ لأنه هو المقصود ، وفي " مختصر ابن رزين " : إن عرف ولا بينة فقول مدع .

                                                                                                                          وقيل : يقرع أو يوقف .

                                                                                                                          فرع : حكم سائر الأقارب كالأولاد فيما ذكرنا ، وسيأتي ( وإن أقام كل واحد منهما بينة أنه مات على دينه ) ولم يعرف أصل دينه ( تعارضتا ) لأنهما [ ص: 184 ] تساوتا ، وذلك يوجب التعارض ، وفي " الكافي " : إذا أقام كل منهما بينة أنه مات على دينه ، فقال الخرقي وابن أبي موسى : يكونان كمن لا بينة لهما ، وقد ذكرنا أن البينتين إذا تعارضتا قدمت إحداهما بالقرعة في وجه ، وفي آخر تقسم العين بينهما .

                                                                                                                          وقيل : تقدم بينة المسلم هنا ؛ لأنه يجوز أن يكون اطلع على أمر خفي على البينة الأخرى .

                                                                                                                          ثم ذكر في " الكافي " : فإن اختلف تاريخهما عمل بالأخيرة منهما ؛ لأنه ثبت بها أنه انتقل عما شهدت به الأولى ، وإن اتفق تاريخهما تعارضتا .

                                                                                                                          وإن أطلقتا أو إحداهما قدمت بينة المسلم ( وإن قال شاهدان : نعرفه مسلما ، وقال شاهدان : كافرا فالميراث للمسلم إذا لم يؤرخ الشهود معرفتهم ) لأن العمل بهما ممكن ، إذ الإسلام يطرأ على الكفر وعكسه ، خلاف الظاهر ، لعدم إقرار المرتد ، والمذهب : أنه إن عرف أصل دينه قدمت الناقلة عنه ، وإلا فروايات التعارض ، اختاره القاضي وجماعة ، واختاره في " المغني " ولو اتفق تاريخهما وهو ظاهر المنتخب .

                                                                                                                          وعنه : تقدم بينة الإسلام ، اختاره الخرقي .

                                                                                                                          فرع : إذا شهدت بينة أنه مات ناطقا بكلمة الإسلام ، والأخرى بعكسها ، تعارضتا سواء عرف أصل دينه أو [ ص: 185 ] لا ، فتسقطان ، أو تستعملان بقسمة أو قرعة ، ويصلى عليه تغليبا له مع الاشتباه .

                                                                                                                          قال القاضي : ويدفن معنا .

                                                                                                                          وقال ابن عقيل : بل وحده ( وإن خلف أبوين كافرين ، وابنين مسلمين ، واختلفوا في دينه ، فالقول قول الأبوين ) لأن كونهما كافرين بمنزلة معرفة أصل دينه ، وقيل : قبل بلوغه ، وهو ظاهر المذهب ، لأنه حينئذ محكوم له بدين أبويه ( ويحتمل أن القول قول الابنين ) هذا وجه في " الرعاية الكبرى " هو أولى لظاهر دار ، وانقطاع حكم التبعية عن الأبوين بالبلوغ ؛ لأن كفر أبويه يدل على أصل دينه في صغره ، وإسلام ابنيه يدل على إسلامه في كبره ، فيعمل بهما جميعا ، يحمل كل منهما على مقتضاه .

                                                                                                                          وقيل : يصدق ابناه في دارنا ، وقيل : يقف الأمر حتى يتبين أو يصطلحا ، ويحلف من قدم قوله ( وإن خلف ابنا كافرا وأخا وامرأة مسلمين ، واختلفوا في دينه فالقول قول الابن ، على قول الخرقي ) وجزم به في " الوجيز " ؛ لأن الظاهر كون الأب كافرا ؛ لأنه لو كان مسلما لما أقر ولده على الكفر في دار الإسلام ( وقال القاضي : يقرع بينهما ) لأنها مشروعة في الإبهام ، وهو موجود هنا ( وقال أبو بكر : قياس المذهب أن تعطى المرأة الربع ) لأن الولد الكافر لا يحجب الزوجة ( ويقسم الباقي بين الابن والأخ نصفين ) لتساويهما في الدعوى ، وعلى هذا [ ص: 186 ] تصح المسألة من ثمانية ، وفيه وجه : للزوجة الثمن ، والباقي بين الابن والأخ نصفين ، وتصح من ستة عشر .

                                                                                                                          وفيه وجه : جميع الميراث للابن ، فجعل أصل دينه الكفر ، وحكم ببقائه استصحابا للحال ، وقيل : هما مع ابنه كأخيه المسلم فيما ذكرنا ، لكن النصف للمرأة ، والأخ على أربعة أسهم وله ثلاثة ، والنصف الباقي لابنه ، قدمه في " المحرر " ( ولو مات مسلم وخلف ولدين مسلما وكافرا ، فأسلم الكافر وقال : أسلمت قبل موت أبي ) قبل قسم تركته ، وقلنا بأنه يرث ( وقال أخوه : بل بعده . فلا ميراث له ) جزم به في " المحرر " و " الشرح " ؛ لأن الأصل بقاء الكفر إلى أن يعلم زواله ، وعلى أخيه اليمين ؛ لأنه منكر ، ويكون على نفي العلم ؛ لأنها على نفي فعل أخيه ، وقدم في " الرعاية " : أن الميراث بينهما ، وإن أقاما بينتين بما قالا قدمت بينة الكافر ، سواء اتفقا على وقت موت أبيهما أم لا ، ذكره في " الرعاية " ، وإن لم يثبت أنه كان كافرا ، فادعى عليه أنه كان كذلك فأنكر ، فالميراث بينهما ( فإن قال : أسلمت في المحرم ، ومات أبي في صفر ، وقال أخوه : بل مات في ذي الحجة ، فله الميراث مع أخيه ) لأن الأصل بقاء حياته إلى أن يعلم زوالها ، وإن أقام كل واحد بينة بدعواه ، فقيل : تتعارضان ، وقيل : يقدم بينة من ادعى تقديم موته ؛ لأن معها زيادة علم يجوز أن يخفى على الأخرى ، وإن قال أكبرهما : أسلمت أنا في المحرم ، ومات أبي في صفر ، وقال أصغرهما : أسلمت أنا في [ ص: 187 ] صفر ، وفيها أسلم أبي ورثاه ، وقيل : إن صدق الأكبر بإسلام الأصغر فيه ، أو قامت به بينة ، وإلا فلا شركة ، اقتصر عليه في " الرعاية " ، وهو ظاهر " المستوعب " ، والله أعلم .




                                                                                                                          الخدمات العلمية