الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 133 ] قوله - عز وجل -:

قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء والله على كل شيء قدير

قوله - عز وجل -: نور وكتاب مبين ؛ يحتمل أن يريد محمدا - صلى اللـه عليه وسلم -؛ والقرآن؛ وهذا هو ظاهر الألفاظ؛ ويحتمل أن يريد موسى - عليه السلام - والتوراة؛ أي: "ولو اتبعتموها حق الاتباع لآمنتم بمحمد - عليه الصلاة والسلام -؛ إذ هي آمرة بذلك؛ مبشرة به؛ وقرأ عبيد بن عمير ؛ والزهري ؛ وسلام؛ وحميد؛ ومسلم بن جندب : "به الله"؛ بضم الهاء؛ حيث وقع مثله.

و"اتبع رضوانه"؛ معناه: بالتكسب؛ والنية؛ والإقبال عليه؛ والسبل: الطرق؛ والقراءة في "رضوانه"؛ بضم الراء؛ وبكسرها؛ وهما لغتان؛ وقد تقدم ذكر ذلك؛ وقرأ ابن شهاب والحسن بن أبي الحسن: "سبل"؛ ساكنة الباء؛ و"السلام" في هذه الآية يحتمل أن يكون اسما من أسماء الله - تبارك وتعالى-؛ فالمعنى: "طرق الله تعالى التي أمر بها عباده؛ وشرعها لهم"؛ ويحتمل أن يكون مصدرا؛ كـ "السلامة"؛ فالمعنى: "طرق النجاة والسلامة من النار".

وقوله: "ويخرجهم"؛ يعني المتبعين الرضوان؛ فالضمير على معنى "من"؛ لا على لفظها؛ والظلمات: الكفر؛ والنور: الإيمان.

وقوله تعالى: "بإذنه"؛ أي: "يمكنهم من أقوال الإيمان؛ وأفعاله؛ ويعلم فعلهم لذلك؛ والتزامهم إياه؛ فهذا هو حد الإذن: العلم بالشيء؛ والتمكين منه؛ وقد تقدم شرحه في سورة "البقرة"؛ والصراط المستقيم: هو دين الله ؛ وتوحيده؛ وما تركب عليه من شرعه.

ثم أخبر تعالى بكفر النصارى القائلين بأن الله هو المسيح؛ وهذه فرقة من النصارى؛ وكل فرقهم - على اختلاف أقوالهم - يجعل للمسيح - عليه السلام - حظا من الألوهية؛ وقد تقدم القول في لفظ "المسيح"؛ في سورة "آل عمران ".

ثم رد عليهم تعالى بقوله لنبيه: قل فمن يملك من الله شيئا ؛ أي: [ ص: 134 ] ولا راد لإرادة الله تعالى في المسيح؛ ولا في غيره؛ فهذا مما تقضي العقول معه أن من تنفذ الإرادة فيه ليس بإله؛ ثم قرر - تبارك وتعالى- ملكه في السماوات والأرض؛ وما بينهما؛ فحصل المسيح - عليه السلام - أقل أجزاء ملك الله تعالى؛ وقوله تعالى: يخلق ما يشاء ؛ إشارة إلى خلقه المسيح في رحم مريم من غير والد؛ بل اختراعا؛ كآدم - عليه السلام -؛ وقد تقدم في آل عمران الفارق بين قوله تعالى في قصة زكريا: يفعل ما يشاء ؛ وفي قصة مريم: يخلق ما يشاء ؛ وقوله تعالى: والله على كل شيء قدير ؛ عموم معناه الخصوص؛ فيما عدا الذات؛ والصفات؛ والمحالات؛ والشيء في اللغة هو الموجود.

التالي السابق


الخدمات العلمية