الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
[ ذكر الفتوى مع دليلها أولى ] الفائدة الثالثة والستون : عاب بعض الناس ذكر الاستدلال في الفتوى ، وهذا العيب أولى بالعيب ، بل جمال الفتوى وروحها هو الدليل ، فكيف يكون ذكر كلام الله ورسوله وإجماع المسلمين وأقوال الصحابة رضوان الله عليهم والقياس الصحيح عيبا ؟ وهل ذكر قول الله ورسوله إلا طراز الفتاوى ؟ وقول المفتي ليس بموجب للأخذ به ، فإذا ذكر الدليل فقد حرم على المستفتي أن يخالفه ، وبرئ هو من عهدة الفتوى بلا علم ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن المسألة فيضرب لها الأمثال ويشبهها بنظائرها ، هذا وقوله وحده حجة ، فما الظن بمن ليس قوله بحجة ولا يجب الأخذ به ؟ وأحسن أحواله وأعلاها أن يسوغ له قبول قوله ، وهيهات أن يسوغ بلا حجة ، وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سئل أحدهم عن مسألة أفتى بالحجة نفسها ، فيقول : قال الله كذا ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا ، أو فعل كذا ، فيشفي السائل ، ويبلغ القائل ، وهذا كثير جدا في فتاويهم لمن تأملها ، ثم جاء التابعون والأئمة بعدهم فكان أحدهم يذكر الحكم ثم يستدل عليه ، وعلمه يأبى أن يتكلم بلا حجة ، والسائل يأبى قبول قوله بلا دليل .

ثم طال الأمد وبعد العهد بالعلم ، وتقاصرت الهمم إلى أن صار بعضهم يجيب بنعم أو لا فقط ، ولا يذكر للجواب دليلا ولا مأخذا ، ويعترف بقصوره وفضل من يفتي بالدليل ، ثم نزلنا درجة أخرى إلى أن وصلت الفتوى إلى عيب من يفتي بالدليل وذمه ، ولعله أن يحدث للناس طبقة أخرى لا يدرى ما حالهم في الفتاوى ، والله المستعان .

التالي السابق


الخدمات العلمية