الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

* وأما الغلاء والرخص هل هما من الله تعالى أم لا؟

فالجواب: أن جميع ما سوى الله من الأعيان وصفاتها وأحوالها مخلوقة لله، مملوكة لله، وهو ربها وخالقها ومليكها ومدبرها، لا رب لها غيره، ولا إله سواه لها، له الخلق والأمر، ولا شريك له في شيء من ذلك ولا معين، بل هو كما قال سبحانه: قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له [سبإ: 23].

أخبر سبحانه أن ما يدعى من دونه ليس له مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض، ولا شرك في ملك، ولا إعانة على شيء، وهذه الوجوه الثلاثة هي التي يثبت بها حق، فإنه إما أن يكون مالكا للشيء [ ص: 41 ] مستقلا بملكه، أو يكون مشاركا فيه له فيه نظير، أو لا ذا ولا ذاك، فيكون معينا لصاحبه كالوزير والمشير والمعلم والمنجد والناصر، فبين سبحانه أنه ليس لغيره ملك مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض، ولا لغيره شرك في ذلك لا قليل ولا كثير، فلا يملكون شيئا، ولا لهم شرك في شيء، ولا له سبحانه ظهير، وهو المظاهر المعاون، فليس له وزير ولا معين ولا مشير ونظير، وهو كما قال سبحانه: وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا [الإسراء: 111].

فإن المخلوق يوالي المخلوق لذله; فإذا كان له من يواليه [عز بوليه]، والرب تعالى لا يوالي أحدا لذلته تعالى عن ذلك، بل هو العزيز بنفسه، و من كان يريد العزة فلله العزة جميعا [فاطر: 10]، وإنما يوالي عباده المؤمنين لرحمته ونعمته وحكمته، وإحسانه وجوده، وتفضله وإنعامه. [ ص: 42 ]

وحينئذ فالغلاء بارتفاع الأسعار والرخص بانخفاضها، هما من جملة الحوادث التي لا خالق لها إلا الله وحده، ولا يكون شيء منها إلا بمشيئته وقدرته، لكن هو سبحانه قد جعل بعض أفعال العباد سببا في بعض الحوادث، كما جعل [قتل] القاتل سببا في موت المقتول، وجعل ارتفاع الأسعار قد يكون بسبب ظلم بعض العباد، وانخفاضها قد يكون بسبب إحسان بعض الناس، ولهذا أضاف من أضاف من القدرية المعتزلة وغيرهم الغلاء والرخص إلى بعض الناس، وبنوا ذلك على أصول فاسدة.

أحدها: أن أفعال العباد ليست مخلوقة لله.

والثاني: أن ما يكون فعل العبد سببا له، يكون العبد هو الذي أحدثه.

والثالث: أن الغلاء والرخص إنما يكون بهذا السبب.

وهذه أصول باطلة، فإنه قد ثبت أن الله خالق كل شيء من أفعال العباد وغيرها، ودلت على ذلك الدلائل الكثيرة السمعية [والعقلية]، وهذا متفق عليه من السلف والأئمة، وهم مع ذلك يقولون: إن العباد لهم قدرة ومشيئة، وأنهم فاعلون لأفعالهم، ويثبتون ما خلقه الله من الأسباب، وما خلق له من الحكم. [ ص: 43 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية