الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث [ ص: 545 ] الله بشرا رسولا قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا

قال المفسرون: "الزخرف": الذهب في هذا الموضع، والزخرف: ما تزين به، كان بذهب أو غيره، ومنه: حتى إذا أخذت الأرض زخرفها ، وفي قراءة عبد الله بن مسعود "أو يكون لك بيت من ذهب". وقوله: في السماء يريد: في الهواء علوا، والعرب تسمي الهواء علوا سماء، لأنه في حيز السمو، ويحتمل أن يريدوا السماء المعروفة، وهو الظاهر; لأنه أعلمهم أن إله الخلق فيها، وأنه يأتيه خبرها. و"ترقى" معناه: تصعد، والرقي: الصعود.

ويروى أن قائل هذه المقالة هو عبد الله بن أبي أمية، فإنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا لا نؤمن لك حتى تأتينا بكتاب - أراد هنا كتابه- فيه: من الله عز وجل إلى عبد الله بن أبي أمية. وروي أن جماعتهم طلبت هذا النحو منه، فأمره الله تعالى أن يقول: سبحان ربي ، أي: تنزيها له من الإتيان مع الملائكة قبيلا، ومن أن يخاطبكم بكتاب كما أردتم، ومن أن أقترح أنا عليه هذه الأشياء، وهل أنا إلا بشر منكم أرسلت إليكم بالشريعة، فإنما علي التبليغ فقط. وقرأ ابن كثير ، وابن عامر : "قال سبحان ربي"، على معنى الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سبح عند قولهم.

وقوله تعالى: وما منع الناس أن يؤمنوا . هذه الآية على معنى التوبيخ والتلهف من النبي صلى الله عليه وسلم، كأنه يقول متعجبا منهم: ما شاء الله كان، ما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا هذه العلة النزرة واستبعاد الذي لا يستند إلى حجة، وبعثة البشر رسلا غير بدع ولا غريب، فبها يقع الإفهام والتمكن من النظر، كما لو كان في الأرض ملائكة يسكنونها "مطمئنين" أي: وادعين فيها مقيمين لكان الرسول إليهم من الملائكة، ليقع الإفهام، وأما البشر فلو بعث إليهم ملك لنفرت طباعهم من رؤيته، ولم تحتمله أبصارهم، ولا تجلدت له قلوبهم، وإنما الله أجرى أحوالهم على معتادها.

التالي السابق


الخدمات العلمية