الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علما كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق وقد آتيناك من لدنا ذكرا من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا خالدين فيه وساء لهم يوم القيامة حملا يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا

هذه مخاطبة من موسى عليه السلام لجميع بني إسرائيل مبينا لهم، وقوله تعالى: وسع كل شيء علما بمعنى: وسع علمه كل شيء، و "علما" تمييز، وهذا كقولهم: "تفقأت شحما" و "تصببت عرقا"، والمصدر في الأصل فاعل، ولكن يسند الفعل إلى غيره وينصب هو على التمييز. وقرأ مجاهد ، وقتادة : "وسع كل شيء" بفتح السين وشدها، بمعنى: خلق الأشياء وكثرها بالاختراع فوسعها موجودات.

وقوله تعالى: كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق مخاطبة لمحمد صلى الله عليه وسلم، أي: كما قصصنا عليك نبأ بني إسرائيل هذا في خبر العجل كذلك نقص عليك، فكأنه قال: هكذا نقص عليك، فكأنها تعديد نعمته، وقوله: "ما قد سبق" يريد به ما قد سبق مدة محمد صلى الله عليه وسلم، و "الذكر": القرآن، وقرأت فرقة: "يحمل" بكسر الميم، وقرأت فرقة أخرى: "يحمل" بفتح الميم وشدها، وقوله: من أعرض عنه يريد: بالكفر به والتكذيب له، و "الوزر": الثقل، وهو هنا ثقل العذاب بدليل قوله: "خالدين فيه"، و "حملا" تمييز، و "يوم" ظرف، و "يوم" الثاني بدل منه. وقرأ الجمهور : "ينفخ" بضم الياء وبناء الفعل للمفعول، وقرأت فرقة: "ينفخ" بفتح الياء وبناء الفعل للفاعل، أي ينفخ الملك، وقرأ أبو عمرو وحده: "ننفخ" بالنون، أي: بأمرنا وإذننا، وهذه القراءة [ ص: 132 ] تناسب قوله: "نحشر". وقرأ الجمهور : "في الصور" بسكون الواو، ومذهب الجمهور أنه القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل ، وبهذا جاءت الأحاديث، وقالت فرقة: الصور: جمع صورة، كتمرة وتمر. وقرأ عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: "في الصور" بفتح الواو، وهذه صريحة في بعث الأجساد من القبور، وقرأت فرقة هي الجمهور: "ونحشر" بالنون، وقرأت فرقة: "ويحشر" بالياء، وقرأت فرقة: "ويحشر" بضم الياء "المجرمون" على المفعول الذي لم يسم فاعله، وهي قراءة مخالفة لخط المصحف.

وقوله: "زرقا" اختلف الناس في معناه، فقالت فرقة: بحشرهم أول قيامهم سود الألوان زرق العيون، فهو تشويه ما، ثم يعمون بعد ذلك، وهي مواطن. وقالت فرقة: إنهم يحشرون عطاشا، والعطش الشديد يرد سواد العين إلى البياض، فكأنهم يبيض سواد عيونهم من شدة العطش. وقالت فرقة: أراد: زرق الألوان، وهي غاية في التشويه لأنهم: يجيئون كلون الرماد، ومهيع كلام العرب أن يسمى هذا اللون أزرق، ومنه زرقة الماء، قال الشاعر:


لما وردن الماء زرقا جمامه وضعن عصي الحاضر المتخيم

ومنه قولهم: "سنان أزرق" لأنه نحو ذلك اللون.

التالي السابق


الخدمات العلمية