الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 162 ] قوله عز وجل:

ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون

المعنى: من يقل منهم كذا أن لو قاله، وليس منهم من قال هذا، وقال بعض المفسرين: المراد بقوله: "ومن يقل…" الآية ... إبليس.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله :

هذا ضعيف; لأن إبليس لم يرو قط أنه ادعى ربوبية.

وقرأ الجمهور : "نجزيه" بفتح النون، وقرأ أبو عبد الرحمن عبد الله بن يزيد : "نجزيه" بضم النون والهاء، ووجهها أن المعنى: نجعلها تكتفي به، من قولك: أجزأني الشيء، ثم خففت الهمزة ياء. وقوله: "كذلك" أي كجزائنا هذا القائل جزاؤنا الظالمين.

ثم وقفهم على عبرة دالة على وحدانية الله جلت قدرته. و "الرتق": الملتصق بعضه ببعض الذي لا صدع فيه ولا فتح، ومنه: "امرأة رتقاء". واختلف المفسرون في معنى قوله تعالى: كانتا رتقا ففتقناهما ، فقالت فرقة: كانت السماء ملتصقة بالأرض ففتقهما الله بالهواء، وقالت فرقة: كانت السماء ملتصقة بعضها ببعض والأرض كذلك ففتقهما الله سبعا سبعا.

[ ص: 163 ] قال القاضي أبو محمد رحمه الله :

وعلى هذين القولين فـ "الرؤية" الموقف عليها رؤية القلب.

وقالت فرقة: السماء قبل المطر رتق، والأرض قبل النبات رتق، ففتقهما الله تعالى بالمطر والنبات، كما قال الله تبارك وتعالى: والسماء ذات الرجع والأرض ذات الصدع ، وهذا قول حسن يجمع العبرة وتعديد النعمة والحجة بمحسوس بين، ويناسب قوله تعالى: وجعلنا من الماء كل شيء حي ، أي: من الماء الذي أوجده الفتق، فيظهر معنى الآية ويتوجه الاعتبار. وقالت فرقة: السماء والأرض رتق بالظلمة ففتقهما الله تعالى بالضوء.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله :

والرؤية على هذين القولين رؤية العين، والأرض هنا اسم للجنس، فهو جمع.

وقرأ الجمهور : "رتقا" بسكون التاء، و "الرتق": مصدر وصف به كالزور والعدل. وقرأ الحسن ، والشعبي ، وأبو حيوة : "كانتا رتقا" بفتح التاء، وهو اسم المرتوق كالنفض والنفض والخبط والخبط، وقال: "كانتا" من حيث هما نوعان، ونحوه قول عمرو بن شييم :


ألم يحزنك أن حبال قيس وتغلب قد تباينتا انقطاعا.

[ ص: 164 ] وقوله: "كانتا" في القولين بمنزلة قولك: "كان زيد حيا"، أي: ثم لم يكن، وفي القولين الآخرين بمنزلة قولك: "كان زيدا عالما"، أي: وهو كذلك. وقرأ ابن كثير وحده: "ألم ير" بإسقاط الواو.

وقوله تعالى: وجعلنا من الماء كل شيء حي بين أنه ليس على عمومه، فإن الملائكة والجن قد خرجوا من ذلك، ولكن الوجه أن يحمل على أعم ما يمكن، فالحيوان أجمع والنبات - على أن الحياة فيه مستعارة - داخل في هذا. وقالت فرقة: المراد بالماء المني في جميع الحيوان. ثم وقفهم على ترك الإيمان توبيخا وتقريعا.

التالي السابق


الخدمات العلمية