الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              معلومات الكتاب

              قضية التخلف العلمي والتقني في العالم الإسلامي المعاصر

              الدكتور / زغلول راغب النجار

              مراحل تطور المعرفة العلمية والتقنية عند الإنسان:

              انطلاقا من ذلك كله فقد وضع مؤرخو العلوم والتقنية عددا من المراحل الرئيسة في تطورها كما يلي: أولا: العصر الحجري وفيه كانت صناعة الآلات والأدوات البدائية اللازمة للإنسان تتم أساسا من الحجر، بالإضافة إلى الخشب وعظام الحيوانات وأصدافها، وكانت هـذه هـي التقنية الغالبة، نظرا لاعتماد الإنسان في هـذه الحياة البدائية اعتمادا كاملا على صيد الحيوان، وجمع البيض، وقطف ثمار النباتات الصالحة للطعام. [ ص: 51 ]

              وقد شملت التقنية في هـذا العصر معرفة بتوليد واستخدام النار، وصناعة الحراب وأدوات رميها، والقوس والرمح، ومصابيح الزيت البسيطة والأصباغ البدائية، وأدوات الطحن والسحق، وإبر الخياطة المصنوعة من عظام الحيوانات.

              وتميزت الفترة المتأخرة من العصر الحجري الحديث ببدايات إنتاج الطعام عن طريق تربية الحيوانات واستزراع النباتات، فهناك إشارات تاريخية إلى استئناس الضأن في منطقة الشرق الأوسط في حدود سنة 9000 قبل الميلاد، تبعها بثلاثة آلاف سنة زراعة الحبوب، وتطوير استئناس العديد من الحيوانات، وإقامة مجتمعات زراعية بدائية رافقتها الحاجة إلى أدوات الزراعة من مثل أدوات العزق والحرث.

              وفي هـذه الفترة تطورت الأدوات الحجرية بصقلها، كما عرف الإنسان صناعة الفخار، وصناعة الغزل والنسيج، وصناعة السلال، وبناء المساكن والزوارق البدائية. ثانيا: العصر الزراعي ومع بروز الزراعة كنشاط رئيس لإنسان ذلك العصر، برز تحسن في صناعة الآلات اللازمة لها، فقد ظهرت صناعة الأدوات الحجرية المصقولة مثل: الفأس، والجاروف، والمنجل، والإبرة، والمنشار، والمغزل، والفخار، والرحى اليدوية، والمحراث الذي يجره الثور، والذي تم استخدامه في الشرق الأوسط في حدود سنة 4000 قبل الميلاد تقريبا، وقد ساعد ذلك على ازدهار كل من الزراعة وتربية الحيوان على ضفاف الأنهار الإفريقية والأسيوية الكبرى، في كل من مصر والعراق والهند والصين ، وتطور تقنيات الري، والحكم في الفيضانات حول ضفاف الأنهار، وابتكار التقنيات اللازمة للنشاط التعديني ولصهر الرمال وصناعة الزجاج، وتصنيع العربات ذات العجلات المعدنية، والمحراث المعدني، وصناعة البناء من الحجر والطوب، وصناعة المراكب الشراعية، واستخدام الميزان والمنفاخ، [ ص: 52 ] وكان في ذلك بداية حقيقية للنهضة العمرانية التي رافقتها قفزات هـائلة في مسيرة الحضارة البشرية من مثل: تطور الكتابة، واستخدام ورق البردي في ذلك، وقيام الدولة السياسية والأجهزة الرئيسة لها، ومعرفة العديد من المعادن مثل: النحاس والقصدير، كما رافقتها انتكاسات كثيرة من مثل: اشتعال الحروب بين الجماعات المتنافسة، وما تبعه من سفك للدماء. ثالثا: عصر البرونز البرونز هـو سبيكة من النحاس والقصدير أدى انتشار استخدامها إلى بروز تقنيات وصناعات كثيرة، وإعداد نفر من الفنيين المهرة الذين تخصصوا في استخراج المعادن من مناجمها وفي سبكها وتشكيلها. كما ساعد على تطور كل من بناء الأفران، وصناعة البواتق الحرارية، ومعرفة الوقود، وصناعة الصبات المختلفة لتشكيل المعادن المنصهرة، كما ساعدت صناعات التعدين وسبك المعادن تلك على تنشيط التجارة وتبادل الثقافات، كما تسببت في اشتغال الحروب وغزو أراض جديدة.

              وبعد معرفة كل من النحاس والبرونز تم استخدامهما في صناعة آلة الحرب، وكان في مقدمتها العربة ذات العجلتين التي يجرها الخيل، وعلى الرغم من أن العجلة قد عرفت قبل ذلك بسنوات طويلة وأن صورا بدائية لعربات ذات عجلتين وذات أربع عجلات كانت قد عرفت من قبل، إلا أن عربة الحرب السريعة المزودة بالأقواس والرماح أحدثت ثورة هـائلة في التكتيكات العسكرية منذ سنة 1700ق.م، كذلك تطورت تقنيات البناء بسرعة في عصر البرونز، وتبقى أهرامات مصر صورة ناطقة بعظمة هـذه التقنيات البنائية المتقدمة. وبينما استخدمت الحجارة في بناء المعابد والأهرامات المصرية، واستخدمت قوالب الطوب الأحمر في حضارة ما بين النهرين. رابعا: عصر الحديد في نهاية سنة ألفين قبل الميلاد، عرف الإنسان صناعة الحديد، وبعد ذلك [ ص: 53 ] بألف سنة تقريبا بدأ عصر الحديد الذي استخدمت فيه بدايات المعرفة بسبك المعاد، وقد علمت صناعة الحديد الإنسان عددا من التقنيات الأخرى من مثل: بناء أفران الصهر، وصناعة آلات الحرب، وتطوير هـندسة البناء. خامسا: الحضارة القديمة من مثل: الحضارة المصرية القديمة، وحضارة ما بين النهرين، والحضارة الصينية القديمة، والحضارة الهندية القديمة، والحضارة الإغريقية القديمة، والحضارة الرومانية القديمة، وفيها تطورت صناعة البناء، وهندسة الري، وبناء الجسور والطرق والأنفاق والسدود، كما عرفت الساقية منذ القرن الأول قبل الميلاد، والطواحين المختلفة، والمحاريث المختلفة، وعرفت حدوة الحصان، مما ساعد على استخدامه في الزراعة.

              وكان لهذه التقنيات على بدائيتها دور كبير في ازدهار الحضارات القديمة، فيما عدا الحضارة الإغريقية، التي كان للتركيب الطبقي القائم على الرق آنذاك فيها سبب في احتقار الأعمال اليدوية والنشاطات المهنية والصناعات المختلفة، التي تركت للعبيد وأشباههم، ومن هـنا فقد شغل علماء الإغريق بالمعارف النظرية والتجريدية، وانصرفوا عن المعارف العلمية والمهارات اليدوية. سادسا: الحضارة الإسلامية وقد امتدت من القرن السادس الميلادي إلى مشارف عصر النهضة، ولذلك فقد زامنت العصور المظلمة في أوروبا (من القرن السادس إلى القرن الحادي عشر الميلادي) ، والعصور الوسطى (من مطلع القرن الثاني عشر إلى مطلع القرن السادس عشر الميلادي) .

              وفي هـذه الفترة انطلق المسلمون من منطلق حب الحكمة الذي غرسه في نفوسهم الإسلام " الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أولى الناس بها". ومن منطلق الإيمان بأن المعرفة هـي تراث البشرية جمعاء، الذي يجب أن تحفظه وتصونه وتنميه، وأن توظفه في عمارة الأرض والقيام بواجبات الاستخلاف فيها، [ ص: 54 ] جمعوا تراث الحضارات السابقة وترجموه ونقدوه بمعيار الحق الإسلامي، وأضافوا إليه إضافات أصيلة عديدة في مختلف مجالاته، فأخذوا صناعة الورق في القرن الهجري الثاني (751م) ، وطوروها وانتشرت لديهم الوراقة والوراقون، وكانت أحد الأسباب الرئيسة لانتشار المعرفة وازدهار العلم وانتشار العمران، فأضافوا الصفر ونشروا الأرقام، وبرعوا في مختلف صور الحساب والهندسة، وابتكروا علوم الجبر وحساب المثلثات واللوغارتمات، وعلوم الفلك التي أقاموا لها المراصد والجداول والآلات، وعلوم الطب والجراحة، والطب النفسي، والصيدلة، وعلوم الطبيعة، من مثل: علوم الصوت والضوء والبصريات، والكيمياء، والتعدين، وغيره من علوم الأرض، وتطبيقات كثيرة في علوم الميكانيكا (علم الحيل) ، وفي عمارة الأرض والبناء والتخطيط، كما اخترعوا البوصلة والبارود، وصنعوا الفولاذ والأسلحة النارية، ووضعوا أصول المنهجية العلمية التجريبية، وابتدعوا أجهزة وأدوات تقنية هـامة، وساهموا في تطوير طرق الري واستخدام الطاقة المائية (الطاحونة المائية) ، وطاقة الريح (الطاحونة الهوائية) ، كما أبدعوا في تقنيات صناعة الخزف والزجاج الملون، واكتشفوا طرائق تكرير السكر، واخترعوا المنجنيق والأبراج المتحركة، وغيرها.

              وفي هـذه الفترة ذاتها كانت أوروبا غارقة في تخلف شديد، تخلف اقتصادي، واجتماعي، وسياسي، وثقافي، وفكري، وتشريعي، وصناعي، وفي كل منحى من مناحي الحياة.

              ولكن يبدو أن تكاثر هـذه الكوارث من أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية، وما رافقها من تفشي الأمراض وانتشار الحروب، حركت الإنسان الأوروبي في أواخر القرن الرابع عشر وأوائل الخامس عشر، وكان للهبوط في أعداد السكان وانخفاض الأيدي العاملة دور في التشجيع على بروز عصر الآلة، إلا أن هـذا الاتجاه بقي لقرون طويلة قائما على التقليد والاستعارة من الحضارة الإسلامية، التي احتك بها الأوروبيون في كل من الأندلس وجنوبي [ ص: 55 ] إيطاليا وصقلية ، وعبر الحروب الصليبية، وكان من أبرز ما أخذه الأوروبيون عن الحضارة الإسلامية: المنهجية العلمية والأسلوب العلمي في التفكير، وفي معالجة الأمور، وقد بدأ ذلك أول ما بدأ في إيطاليا ثم ما لبث أن انتشر في بقية الدول الأوروبية لتكون القاعدة الحقيقية للانطلاقة العلمية والتقنية في عصر النهضة.

              وقد استمر التقدم العلمي والتقني في العالم الإسلامي، حتى تعرض للهجمة الاستعمارية الشرسة في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، وتكفي في ذلك الإشارة إلى كتابي صناعة الحيل لأبي العز الجزري – القرن الثالث عشر الميلادي – والآلات الروحانية لتقي الدين – القرن السادس عشر الميلادي، وكلاهما يتعلق بالهندسة الميكانيكية وتصميم الآلات، ويحتوي على العديد من الأفكار التقنية الرائدة.

              وفي العصور الوسطى في أوروبا (1100-1500م) عرفت طواحين الماء وطواحين الهواء، التي انتقلت إلى أوروبا من الشرق في القرن الثاني عشر، وأصبحت مصدرا من مصادر الطاقة لضخ الماء وطحن الحبوب، ثم استخدمت عجلة الماء في عدد من الصناعات منها الطواحين باستخداماتها المختلفة، وتميزت الفترة الأخيرة من العصور الوسطى في أوروبا بتطور العمارة، وفي القرن الرابع عشر الميلادي أتقن السباكون البريطانيون صناعة الحديد، فحلت محل صناعة البرونز، كذلك تطورت صناعة المراكب، مما شجع على التجارة وعمليات الاستكشاف في القرن الخامس عشر الميلادي، كما أدخلت صناعة البواخر الحربية لأول مرة. سابعا: عصر النهضة يعتبر المؤرخون الفترة من القرن الخامس عشر إلى السابع عشر الميلادي، على أنها النهضة الحديثة في أوروبا التي حولتها من دول معزولة إلى قوة صناعية وعسكرية في فترة زمنية قصيرة، وقد ساعد ذلك على استكشاف العالم الجديد واستعمار مساحات كبيرة من الأرض، وبدأ التبادل التجاري مع الشرق، مما أدى [ ص: 56 ] إلى تغيير الظروف الاقتصادية وانتعاش الثقافة في أوروبا، وقد ساعد على ذلك اختراع الطباعة في القرن الخامس عشر، ومنذ ذلك التاريخ ازداد الاهتمام بالتقنية والصناعة، وظهر ذلك الاهتمام بنشر موسوعات تقنية مصورة عديدة. ثامنا: الثورة الصناعية الأولى (في أوروبا إبان القرن الثامن عشر) لقد أدت المشاكل الصناعية الناتجة عن كثرة استخدام الخشب، وغمر المناجم بالمياه إلى إحداث ثورة صناعية حقيقية في أوروبا، كانت مقدمة للثورة التقنية المعاصرة؛ ففي سنة 1702م تم اختراع الآلة البخارية، وفي سنة 1709م أمكن التغلب على مشكلة استخدام الفحم الحجري في صهر خامات الحديد، وفي نهاية القرن الثامن عشر أمكن لصناعة الحديد البريطانية إحلال فحم الكوك محل الفحم النباتي، وقد كان لهذين الاختراعين: الآلة البخارية وصهر الحديد باستخدام الفحم الحجري دور هـام في اجتياز عنق الزجاجة الذي كان يعوق التقدم الاقتصادي، كما كان بداية للثورة الصناعية الأوروبية.

              منذ سنة 1760م بدأ جيمس واط في تطوير قدرة الآلة البخارية بتزويدها بمكثف منفصل ثم استخدامها في مصانع النسج، وطورت الفكرة بعد ذلك لعمل آلات الحفر وفي أفران صهر الحديد، وبمطلع القرن التاسع عشر طورت الآلة البخارية ذات الضغط العالي مما يسر استخدامها في كل المراكب والقاطرات البخارية.

              وهذه التطورات التقنية صاحبتها تطورات أخرى في صناعة النسيج ومصابغه. وفي الزراعة وتربية الماشية والأغنام، فقد تم اختراع أجهزة زراعية كثيرة من الحاصدات وناثرات البذور وغيرها، كذلك طورت صناعة الحديد هـندسة البناء وهندسة الكباري والطرق بشكل كبير.

              وإذا كان المهندسون قد صنعوا الثورة الصناعية، فبالإمكان القول: إن هـذه الثورة الصناعية قد شكلت مهنة الهندسة كما نعرفها اليوم، فقد كان المهندسون في الماضي يبرزون من خلال الحرفيين المهرة، وبدأت الدراسات التقنية تتغلغل [ ص: 57 ] إلى الجامعات القائمة ببطء حتى أصبحت أحد التخصصات الرئيسة فيها. وعلى ذلك فقد حدث انقلاب آخر كبير في المفاهيم، ففي حين أن تطور التقنية كان حتى منتصف القرن الثامن عشر راجعا إلى اكتشاف الحرفيين والعمال المهرة دون ارتباط مباشر بالناحية العلمية، فقد أخذ الوضع ينقلب بعد ظهور الثورة الصناعية – ولو بشكل تدريجي وبطيء – نتيجة لالتحام التقنية بالتقدم العلمي الذي وجد العمال صعوبة شديدة في متابعة تطوره، وهنا بدأ التقدم العلمي يسبق التطورات التقنية بمسافات بعيدة على الرغم من تواصلهما الوثيق وتأثير الواحد منهما في الآخر. تاسعا: الثورة الصناعية الثانية (في أوروبا إبان القرن التاسع عشر) كانت الآلة البخارية التي طورها جيمس واط هـي المصدر الرئيس للطاقة في القرن التاسع عشر، وكانت مساقط المياه هـي المنافس الرئيس للبخار.

              وفي سنة 1860م تم بناء أول نموذج لأجهزة الاحتراق الداخلي الذي بنيت على أساسه أول سيارة سنة 1862م، ثم تم تطوير أجهزة الاحتراق الداخلي سنة 1876م، وفي سنة 1880م تبناها كل من بنز ودالمر لإنتاج السيارات.

              وفي سنة 1831م تم اكتشاف القوة الكهربائية، إلا أن استخدامها قد تأخر حتى تم اختراع كل من الدينامو والموتور الكهربائي، والأول تم تطويره في سلسلة من التطورات كان أولها سنة 1855م في الدنمارك ، والثاني باكتشاف أديسون المصباح الكهربائي سنة 1879م، وقد افتتح أديسون سنة 1882م أول محطة لتوليد الكهرباء في نيويورك ، كما أنتج الموتور الكهربائي سنة 1884م واستخدم بعد ذلك بثلاث سنوات، وفي سنة 1888م تم تصنيع أول موتور كهربائي بالتيار المتردد.

              وقد انتقلت الثورة الصناعية (التي بدأت في بريطانيا في القرن الثامن عشر) إلى باقي دول غربي أوروبا وأمريكا الشمالية في القرن التاسع عشر، وقد كان الانتشار متناسقا، حيث بدأ بصناعة النسيج ثم الفحم والحديد، ثم تم اختراع ماكينة [ ص: 58 ] الخياطة سنة 1846م في الولايات المتحدة الأمريكية ، كما تم إنتاج الصلب في سنة 1847م في الولايات المتحدة كذلك، وبعد ذلك بتسع سنوات (أي في سنة 1896م) في بريطانيا ، وبتوفر الصلب أصبح مادة هـامة للبناء خاصة في ناطحات السحاب والكباري وفي صناعة بناء السفن وفي صناعات الآلات الحرب.

              وفي سنة 1807م صنعت أول سفينة بخارية، ثم صنعت القاطرات البخارية في بريطانيا سنة 1825م. ثم بدأت الصناعات الكيميائية، وصناعات اللدائن السيلولوزية، والأصباغ، والمطاط الصناعي، والألومنيوم في خلال القرن التاسع عشر، كما تم ميلاد صناعة البترول سنة 1859م بحفر أول بئر للبترول في بنسلفانيا ، وكانت أهم استخداماته في ذلك الوقت الاستفادة بالكيروسين للإضاءة.

              كما تم اختراع كل من التلغراف (1837م) ، والتليفون (1876م) في الولايات المتحدة. وتم اختراع الاتصالات الراديوية بواسطة ماركوني سنة 1896م. عاشرا: الثورة التقنية (في القرن العشرين) قبل 1945م استمرت النهضة التقنية والصناعية التي بدأت في القرن التاسع عشر في نموها في النصف الأول من القرن العشرين، كما بدأت تنتشر في دول لم تكن قد أخذت بعد بأساليب التقدم العلمي والتقني مثل روسيا واليابان ، وانتشرت صناعة السيارات بسرعة خاصة بعد أن بدأ هـنري فورد بالإنتاج الكمي عن طريق خطوط التجميع المتحركة سنة 1913م، وقد أدى ذلك إلى الحاجة إلى المزيد من مصادر الطاقة، وبالتالي إلى تطور البحث والتنقيب عن البترول، وإلى تقنيات تكريره وتصنيعه، كما أدى إلى إحلال النفط ومنتجاته محل الفحم كوقود، وساعد على إنشاء شبكات كثيرة من الطرق.

              وكان الطيران ظاهرة من نتاج التقدم التقني والعلمي في القرن العشرين [ ص: 59 ] باختراع الطائرة بواسطة الأخوين رايت سنة 1903م، وقد تطورت هـذه الآلة حتى أصبحت من أعتى الأسلحة أثناء الحرب العالمية الثانية ، كما انتشرت الطائرة كوسيلة انتقال مدنية رئيسة عبر المحيطات في نفس السنة، كذلك تطورت صناعة المناطيد، ولولا سلسلة من الكوارث التي تعرضت لها لأصبحت من أهم وسائل النقل المدني والعسكري في هـذه الأيام.

              وفي الصناعات الكيميائية تطورت صناعة اللدائن، فقد اكتشف النايلون سنة 1927م، وتم تصنيعه سنة 1939م.

              وفي الصناعات الزراعية تمت ميكنة الزراعة باستخدام كل من ماكينات البخار وماكينات الاحتراق الداخلي، كما أدت الأبحاث في كل من علم الوراثة وكيمياء التربة إلى تطورات هـائلة أدت إلى تحسين الكثير من المحاصيل. ومن الأساليب الجديدة في قضايا الزراعة كان إدخال كل من المخصبات الزراعية والمبيدات الحشرية.

              وفي نفس الفترة تقريبا تطورت صناعة الراديو (الذي كان ماركوني قد اخترعه من قبل) إلى وسيلة اتصال هـامة عسكرية ومدنية في البر والبحر، منذ سنة 1920م، كذلك بدأت صناعة السينما، كما بدأت تجارب أولية لفكرة التليفزيون في سنة 1930م، إلا أن التطبيقات الفعلية تأخرت إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية.

              وقد تأثر التقدم التقني بالحربين العالميتين، كما أثر فيهما، ففي الحرب العالمية الأولى تم تصنيع المدفعية بعيدة المدى، والرشاشات الأتوماتيكية، والغازات السامة، والغواصات، والطوربيدات، والدبابات، والعربات المصفحة، والطائرات، والراديو. أما في الحرب العالمية الثانية، فقد تم إدخال حاملات الطائرات، والرادار، والسونار، والصواريخ، وفوق ذلك كله القنبلة الذرية، كما تم تطوير الطائرات النفاثة. [ ص: 60 ] منذ سنة 1945م:

              تزايدت معدلات التقدم العلمي والتقني، وتم توليد الطاقة من المفاعلات النووية بنجاح أولا في البوارج الحربية، ثم في محطات توليد الطاقة على الرغم من تسرب الإشعاع من هـذه المحطات في أكثر من مرة (تشيرنوبل، ثري مايلز آيلند، اسكتلنده وغيرها) . كما حدثت ثورة في الهندسة الكهربائية والإلكترونية باختراع جهاز الترانزيستور سنة 1948م، وقد حل ذلك محل الأنبوبة المفرغة في أجهزة الراديو والاتصال، وساعدت على عمل شبكات كهربائية وإليكترونية في مساحات صغيرة للغاية، وقد ساعد الترانزيستور على تطوير كل من الحواسيب الإلكترونية وأجهزة التحكم الآلي بسرعة مذهلة، وقد تم تجميع أول حاسب إلكتروني في سنة 1946م، كما تم استخدام كل من أشعتي الليزر والميزر بعد ذلك بسنوات قليلة.

              وفي مجال الطب وصناعة الدواء تم استخدام المضادات الحيوية لأول مرة على نطاق واسع أثناء الحرب العالمية الثانية ، كما دخلت جراحة نقل الأعضاء الإنسية حيز التنفيذ.

              وقد كانت أعظم الإنجازات التقنية لهذه الفترة على الإطلاق هـي رحلات استكشاف الفضاء، وقد بدأت بتجارب الصواريخ والصواريخ الموجهة أثناء الحرب العالمية الثانية، وأثمرت نتائج هـذه الأبحاث بإطلاق الاتحاد السوفيتي للقمر سبوتنك في أكتوبر 1957م، ثم بإرسال الولايات المتحدة برجل إلى القمر في 20 يوليو 1969م، كما تم فحص كل من عطارد والزهرة والمريخ والمشتري وزحل ابتداء من سنة 1980م عن قرب، بواسطة مركبات فضاء غير مأهولة، كذلك فقد قامت أقمار الاتصالات الصنعية بتسهيل الاتصالات التليفونية والراديوية والتليفزيونية عبر العالم، وفي الكشف عن الكثير من الثروات الأرضية، ومكافحة الآفات الزراعية بطريقة الاستشعار عن بعد، ولا تزال [ ص: 61 ] الجهود تبذل من أجل تحقيق فكرة إقامة محطات فضائية متعددة لعلها تسمح بتنقل الإنسان عبر الفضاء في المستقبل غير البعيد.

              وكان من أبرز معطيات الثورة العلمية والتقنية في هـذا العصر ربط هـذين الرافدين الهامين من روافد المعرفة البشرية برباط وثيق، ولا تستطيع التنقية فيه أن تنفصل عن العلم، ولا يستطيع العلم فيه أن يتقدم بغير تقنيات دائمة التطور، في ظل إدارة عصرية منضبطة، وحرص شديد على جمع المعلومات وتوثيقها فيما يعرف اليوم باسم ثورة المعلومات. [ ص: 62 ]

              التالي السابق


              الخدمات العلمية