الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
العربية بين النصرانية والإسلام

إذا كان لنا أن نقول: إن العربية قد تأثرت بالإسلام، فكان من ذلك عربية تحمل طابعا إسلاميا، فإن العربية قبل الإسلام، ليس فيها شيء من الوثنية الجاهلية كان سمة لها، على نحو ما كان للإسلام من سمات في هـذه اللغة العريقة. وقد نقول: وهل كان للنصرانية شيء من سمات في العربية الجاهلية؟ والجواب عن هـذا: أننا لم نقف على شيء من ذلك، بل إن الصفة الغالبة على الأدب القديم في أحقاب ما قبل الإسلام هـي (البداوة) . وإن مادة هـذا النمط من الحياة، قد طبع الأدب الجاهلي، بحيث غلب هـذا على الالتماعات التي تستوقفنا، مما هـو مندرج في أشتات الحضارة، من مواد تتصل بالعطور والحلي واللباس ونحو ذلك من أصناف ما يطعمون وما يشربون. ومع قولنا: إن الإسلام قد أبقى أثره في اللغة، فإن من العلم أن نقول: إن صفات العربية الجاهلية، قد بقيت في العربية الإسلامية، بحيث يصعب عليك أن تميز بين العربية على لسان شاعر نصراني كالأخطل ، وعربية إسلامية على لسان الفرزدق . ولو لا تمسك جرير بالإسلام، ما أحسست شيئا يميزه عن شعر الفرزدق أو الأخطل.. ولما كان جرير أشد لصوقا بالإسلام من صاحبه الفرزدق، كان من ذلك شيء من أدب إسلامي، يتمثل فيما أخذه من آية كريمة، أو عبارة إسلامية وردت في الأثر الشريف. [ ص: 125 ]

وما أظن أن الدارس ليكتشف من شعر الأخطل أنه نصراني، وأن أدبه يلمح إلى ذلك، لولا هـذه الأبيات التي كنا قد حفظناها أيام الطلب:

ولست بصائم رمضان طوعا ولست بآكل لحم الأضاحي     ولست بقائم كالعير أدعـو
بيل الصبح حي على الفلاح     ولكني سأشربها شـمـولا
وأسجد عند منبلج الصـباح

ولقد تعسف الأب لويس شيخو اليسوعي ، حين جعل جمهرة من شعراء الجاهلية، من (شعراء النصرانية) . وليس في شعرهم شيء، يتسم بهذه النصرانية المدعاة.

وقد نجد شيئا من الكلم النصراني، في أدب الديارات، وفي شعر أبي نواس خاصة، كالفصح والباعوث، والراهب، والقس، والمزامير، والصليب، والمذبح، والزنار ونحو هـذا من الكلم الخاص. ودلالة هـذا معروفة فهي أشتات اقتضاها في مذهب أبي نواس، أدب اللهو والشراب، والخمر، وليس من شيء آخر.

غير أننا نقف على عربية خاصة، كتبها نصارى في مادة نصرانية، فجاءت عربية خاصة.

وإنك لتجد هـذه العربية النصرانية، في النص العربي، للعهدين القديم والجديد، وما تجده منها في سائر أعمال الرسل والقديسين من رجال النصرانية. وهذه العربية حافلة بالكلمات النصرانية، ذات الأصول الدينية التاريخية.

وقد نجد شيئا من هـذا، في ترسل الكتاب اللبنانيين النصارى، فيما كتب " الشدياق " قبل أن يسلم، وبعد إسلامه، وما نجده في أدب جبران خليل جبران ، ومارون عبود ، ولا تعدم أن تجد شيئا من هـذا في أدب مي زيادة.

ولو شئنا أن نقف على شيء من غير العربية في المعروف المأثور من أدباء اليهود وشعرائهم في الجاهلية والإسلام، لما وقفنا على أي شيء من ذلك؛ لأننا نجد [ ص: 126 ] عربية قديمة لا تختلف في شيء عن العربية الجاهلية في موادها البدوية وغيرها.

غير أننا نقف في أدب الشيخ ناصيف اليازجي في كتابه في (المقامات) التي وسمها بـ " مجمع البحرين " على عربية هـي في الذروة من الفصاحة. لقد حفلت بأوابد الكلم في القديم، جاهلية وإسلامية، كما حفلت بجمهرة من نوادر الأمثال، وإشارات كثيرة إلى (نوابغ الكلم) من مشهور مجازات العربية واستعاراتها. وإنك لتجد في كل " مقامة " من هـذه المقامات أدبا جما ولغة عالية سليمة، عربية النجاد. تغرس أصولها بعيدة في بيئة ضاربة في مجتمع بدوي قديم، ولو لا أنك تقرأ أن قائلها (يازجي) عاش في جبل لبنان لما شككت أن صاحبها أعرابي لم " تعجبه الحضارة " ، ولا عرف لينها، ولا نعم بخيرها، وملاذها.

ولم يقتصر الأمر على هـذا، فإنك لتجد فيها إلى جانب هـذه الأشتات البدوية، إسلاما ناصعا يتمثل في شيء من كرائم الآيات، وتعابير لا نجدها إلا في لغة التنزيل العزيز، ولو لا أنك تقرأ في فاتحة هـذه المقامات أن " اليازجي " هـذا الذي تزي بزي البدوي الصميم هـو من " الأمة العيسوية " لما خامرك شك في أنه مسلم شرح الله قلبه للإسلام.

فكيف لنا أن نفسر هـذه الظاهرة؟

ألنا أن نقول : إن " المقامات " موضوع إسلامي يفرض على صاحبه أن يتزود بمواد الإسلام من الآي الكريم والأثر الشريف!!

لا، ليس لنا أن نقول ذلك، فالمقامات في الذي كانت ترمي إليه، علم لغوي يختزن الأوابد والفرائد والشعر والرجز، مما يشتمل على قول مأثور، ومثل سائر، ومواد أخرى من أعلاق العربية الغالية. [ ص: 127 ]

فكيف نقول إذن؟

ليس لنا أن نقول إلا أن يكون اليازجي قد آمن قلبه بالإسلام، وانتهى إلى أن أدب العربية لا بد له أن ينعش بهذا الفيض العلوي الإسلامي، ولو لا أن الانقلاب من النصرانية إلى الإسلام من شأنه أن يثير أمامه المشكلات والصعاب في عصر ما زال فيه للسلطان الديني النصراني قوة، لكان له أن يستجيب لهذا الداعي في دخيلته، وما أظن أن رجال العلم من النصارى في عصره لم يبتئسوا مما فرط فيه اليازجي في حق دينهم حين كتب هـذه " المقامات " التي عمرت بالطابع الإسلامي.

وقد يكون مفيدا جدا أن نستقري هـذه الآثار الإسلامية في " مجمع البحرين " ليكون القارئ على ثقة مما حملته إليه من دعوى، قد يظنها عريضة مدعاة لا تخلو من إغراق. وإني لواثق أن القارئ لن يحملني على التعصب للإسلام وأنا أفجؤه بهذا الذي ذكرت، ودونك هـذه الآثار [1] :

1 - جاء في المقامة الأولى لمعروفة بـ " البدوية " في الصفحة 5:

...... حتى إذا أشرفنا على فريق يناوح الطريق، عرض لنا لصوص قد أطلقوا الأعنة، وأشرعوا الأسنة، فأخذ الشيخ القلق، وقال: أعوذ برب الفلق، من شر ما خلق.

أقول: وفي هـذا اقتباس من سورة الفلق وهو قوله تعالى: ( قل أعوذ برب الفلق * من شر ما خلق ) (الفلق:1-2) .

2 - وجاء فيها أيضا قول المؤلف:

....ولما التقت العين بالعين، على أدنى من قاب قوسين، قال : يا قوم [ ص: 128 ] هل أدلكم على تجارة....

أقول: وفي هـذا اقتباس من قوله - تعالى- : ( فكان قاب قوسين أو أدنى ) (النجم:9) وفي اقتباس آخر من قوله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا هـل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب ... ) (الصف:10)

3 - وجاء فيها أيضا قوله :..... حتى إذا أثخنوهم، شدوا الوثاق، وقد كادت أرواحهم تبلغ التراق... ثم أدخلونا إلى بيت طويل الدعائم في صدره شيخ..... فقال: أحسنت أيها النذير فسنوفي لك الكيل.. أقول : وفي هـذا اقتباس أو إيماء لقوله تعالى : ( حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق ) (محمد:4) . وكذلك لقوله تعالى: ( كلا إذا بلغت التراقي ) (القيامة:26) .

وليس بعيدا أن يكون المؤلف قد نظر إلى قوله تعالى: ( وأوفوا الكيل والميزان بالقسط ) (الأنعام: 152) .

4- وجاء فيها في الصفحة 6 قول المؤلف:

.... وقال: يا قوم اتبعوا من لا يسألكم أجرا

أقول: وفي هـذا إيماء لقوله تعالى: ( يا قوم لا أسألكم عليه أجرا ) (هود:51) أو إنه إيماء لقوله تعالى: ( يا قوم اتبعوا المرسلين * اتبعوا من لا يسألكم أجرا ) (يس:20-21) .

5- وجاء في الصفحة 7 من هـذه المقامة:

.....وأخذ يتخطى ويتمطى ذات اليمين وذات الشمال....

أقول: لعل في هـذا شيئا نظره المؤلف في قوله تعالى: ( ... ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال ) (الكهف:18) .

6 - وجاء فيها أيضا قول المؤلف: [ ص: 129 ]

...... وقلت : لا حول ولا قوة إلا بالله.....

أقول: وهذه من العبارات التي يرددها المسلمون في اتكالهم على الله ذي الحول والطول.

7 - وجاء في المقامة الثالثة المعروفة " العقيقية " في الصفحة 13:

ولما فرغ من " أبياته " زفر زفرة الضرام وقال: " :كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام "

أقول: وهذا الذي ذكره المؤلف هـو الآية السادسة والعشرون من سورة الرحمن، غير أن المؤلف أدرج الآية في كلامه ولم يشر ولم يومئ إلى أنها آية كريمة.

8 - وجاء في الصفحة 14 منها قوله:

.... وقال: اركبي باسم الله مجراها....

أقول: وليس من شك أن المؤلف نظر إلى قوله تعالى: ( وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها ) (هود:41)

9 - وجاء فيها قوله أيضا:

..... فقلت : إن الشيخ قد أتى بقلب سليم: والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم....

أقول: إن الشق الأول من قول المؤلف مأخوذ من قوله تعالى: ( يوم لا ينفع مال ولا بنون * إلا من أتى الله بقلب سليم ) (الشعراء:89) . وأما الشق الثاني فهو من الآية 213 من سورة البقرة، وكلاهما مندرج في كلامه، وليس من إشارة إلى أنه شيء من لغة التنزيل العزيز.

10 - وجاء في المقامة الرابعة المعروفة بـ " الشامية " في الصفحة 18 قوله:

.... وسأستغفر الله لي ولهم إذا وقفنا على الصراط....

أقول: والاستغفار للنفس، للمتكلم، وللمخاطبين أو المتحدث عنهم، من [ ص: 130 ] دعاء المسلمين، وهو شيء من بعض الدعاء الذي يتوجه به خطيب الجمعة في خطبته. وأما الصراط فهو أدب سلامي، وقد عمرت اللغة الشريفة بذكر " الصراط " وفيه للمسلمين عظة وعبرة وذكرى.

11 - ثم نقف على قول المؤلف في هـذه " المقامة " في الصفحة 19:

.... لو رمى الله بك أصحاب الفيل، أغنيت عن الطير الأبابيل....

أقول: وليس من شك أن في " أصحاب الفيل " إشارة أو لمحة لما ورد من " أصحاب الفيل " في قوله تعالى: ( ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ) (الفيل:1) . وليس قوله: " عن الطير الأبابيل " إلا شيئا من قوله 0 تعالى: ( وأرسل عليهم طيرا أبابيل ) (الفيل:3) .

12 - وجاء في " المقامة " الخامسة المعروفة قوله:

.... وما أدراك ماهيه، قال: هـي فرية وسوس بها إليها الشيطان، ومرية ما أنزل الله بها من سلطان. قال: فادفع عن نفسك بالتي هـي أحسن، ولا تجادل في أشياء إن تبد لك تسؤك فتحزن. قال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم....

أقول : وجملة هـذا الذي دبجه اليازجي في " مقامته " ، اقتباس من آيات محكمات يقرؤها المسلم فيقف على مكانها من لغة التنزيل العزيز.

وقوله: " وما أدراك ما هـيه " هـو الآية العاشرة من سورة القارعة. وقولة " هي فرية وسوس بها إليها الشيطان " ، فشيء غير بعيد من قوله تعالى: ( فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما ) (الأعراف:20)

وقوله: (ومرية ما أنزل الله بها من سلطان) هـو بعض من الآية الأربعين من سورة يوسف: (ما تعبدون من دون الله إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان) ، وقوله: " فادفع عن نفسك بالتي هـي أحسن) مأخوذ من قوله تعالى: ( ادفع بالتي هـي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه [ ص: 131 ] ولي حميم ) - (فصلت:34) . وقوله: " ولا تجادلي أشياء..... " مأخوذ من قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ) (المائدة:101) . ثم ختم قوله بقوله: (لا حول ولا قوة....) وقد كنا أشرنا إلى ذلك.

13 - وجاء في الصفحة 22 قوله:

.....وقالوا لها: " أنفقي مما رزقك الله حتى يأتي الله بالفتح أو أمر من عنده..

أقول: وقوله: " أنفقي مما ... ... ... " يشعر بآيات عدة ورد فيها الأمر بالإنفاق ومنها: ( أنفقوا مما رزقناكم.. ) (البقرة:254)

وقوله: " حتى يأتي الله بالفتح أو أمر من عنده " يومئ إلى قول تعالى: ( فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده ) (المائدة:52) .

14 - وجاء فيها أيضا قوله:

..... قال: قد رأيتم في الكتاب رأي العين، أن للذكر مثل حظ الأنثيين، فإن أحسنتم فإليكم، وإلا فكتاب الله عليكم. قالوا: قضي الأمر الذي فيه تستفتيان، فقد أحسنت وما جزاء الإحسان إلا الإحسان....

أقول: وفي جملة هـذا إشارات وإيماءات إلى آيات عدة، غير أن المؤلف قد أوتي من البراعة في أنه أدرج ما اقتبس من غير إيذان مما قد يغفل عنه القارئ الذي لم يتمثل كلام الله جل وعلا.

فقوله: " للذكر مثل حظ الأنثيين " فآية معروفة هـي الحادية عشرة من سورة النساء، وهي من قواعد الميراث المهمة في الفقه الإسلامي.

وقوله: " فإن أحسنتم فإليكم " غير بعيد من الآية الكريمة ( إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم ) (الإسراء:7) .

وقوله : " وإلا فكتاب الله عليكم " يومئ إلى أن المؤلف قد نظر إلى قوله [ ص: 132 ] تعالى: ( والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم ) (النساء:24) وقوله: ( قضي الأمر الذي فيه تستفتيان ) فهو الآية 41 من سورة يوسف.

وقوله: " ما جزاء الإحسان إلا الإحسان " فهو من الآية 60 من سورة الرحمن وهي: ( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان )

15 - وجاء فيها في الصفحة 23 قوله:

.... قلت: ليس معي إلا دينار واحد فاقتسماه، وإلا فنظرة إلى ميسرة من رزق الله.

أقول : وهل يخفى ونحن نقرأ هـذا أن نتذكر في الحال قوله تعالى: ( وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ) (البقرة 280)

16 - وجاء في " المقامة " السادسة المعروفة بـ " الخزرجية " قوله في الصفحة 27:.... ولكن خلق الإنسان من عجل....

أقول: وهذا من قوله تعالى: ( خلق الإنسان من عجل ) (الأنبياء:37) .

17 - وجاء في الصفحة نفسها قوله:

.... قد علمتم يا قوم أن الخير معقود بنواصي الخيل....

أقول: وهذا من الحديث الشريف: " ( الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة، الأجر والغنيمة ) " [2] . ولكن المؤلف قد غير من رواية الحديث فقدم وأخر، والحديث هـو هـو.

18 - وجاء فيها أيضا قوله:

... فإن تمسكتم بالعروة الوثقى، وإلا فالله خير وأبقى... [ ص: 133 ]

أقول : قوله: " فإن تمسكتم بالعروة الوثقى " يومئ إلى قوله جل وعلا: ( فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها ... ) (البقرة:256) .

وقوله: (وإلا فالله خير...) هـو من قوله تعالى: ( والله خير وأبقى ) (طه:73) .

19 - وجاء في الصفحة 28 من هـذه " المقام " أيضا: وقال رب ثبت قدمي واشدد عصاي التي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي...

أقول: وهذا كله يومئ إلى قوله تعالى: ( قال هـي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ) (طه:18) .

20 - وجاء في الصفحة نفسها قوله:

... وقلت له: هـنيا مريا، لقد جئت شيئا فريا...

أقول: قوله: " لقد جئت... " يومئ إلى قوله تعالى: ( فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا ) (مريم:27) .

21 - وجاء في " المقامة " السابعة المعروفة بـ " اليمنية " في الصفحة 32 قوله:... فخذه وسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا...

أقول: وهذا من قوله تعالى: ( فسبح بحمد ربك ... ) (النصر:3) .

22 - وجاء فيها أيضا قوله:

فقال القاضي: إنني بحكمك راض فاقض ما أنت قاض...

والقاضي يقول: إن الله لا يضيع أجر المصلحين...

أقول: وقوله: " فاقض ما أنت قاض " هـو الآية الثانية والسبعين من سورة طه. وقوله: (إن الله لا يضيع أجر المصلحين يومئ إلى الآية: ( إن الله لا يضيع أجر المحسنين ) (التوبة:120) .

23 - وجاء في " المقامة " الثامنة المعروفة بـ " البغدادية " قوله في الصفحة 34: [ ص: 134 ] ... أو لم تيأسوا أن الكتاب قد أقام له وزنا...

أقول: والفعل " تيأسوا " هـنا بمعنى " تعلموا " وهو من قوله تعالى: ( أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ) (الرعد:31) .

و (ييأس) بمعنى يعلم، وهذا مما استشهد عليه النحاة واللغويون.

يقول الشاعر القديم:

أقول لهم بالشعب إذ يأسروني     ألم تيأسوا إني ابن فارس زهدم

24- وجاء في الصفحة 35 منها قول: ... سبحان من علم آدم الأسماء... وهذا يومئ إلى الآية ( وعلم آدم الأسماء كلها ) ... (البقرة:31) .

25- وجاء فيها أيضا:

وقال: يا أولي الألباب، إن الله يرزق من يشاء بغير حساب...

أقول: وقوله: (إن الله يرزق...) هـو الآية السابعة والثلاثين من سورة آل عمران.

26 - وجاء في (المقامة) الستين المعروفة بـ " القدسية " في الصفحة 266 قوله:... الحمد لله الذي جعل حرمه أمنا للعباد، ومقاما للعباد، وهو الذي خلق فسوى، وقدر فهدى، وأضحك وأبكى، وأمات وأحيى، والذي جعل الأرض مهادا، والجبال أوتادا، وبنى فوقكم سبعا شدادا، والذي مرج البحرين يلتقيان، بينهما برزخ لا يبغيان، وهو كل يوم في شأن، لا إله إلا هـو الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد..

أقول: وجملة هـذا من الكلم الشريف الذي تضمنته آيات عدة في سور مختلفات لا تخفى على كل مسلم وعى كتاب الله -سبحانه-. [ ص: 135 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية