الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بلاغة القص في القرآن الكريم وآفاق التلقي

الدكتور / سعاد الناصر

الفصل الأول

المادة القصصية ومقاصد تلقيها

المبحث الأول

المادة القصصية في القرآن الكريم

وردت المادة القصصية في القرآن الكريم مبثوثة على طـول مسـاحته، في أغلب سوره، الأمر الذي يجعل المتلقي يتفاعل بشكل مستمر، بما تتضمنه من رؤى ومضامين حول مجموعة من التجليات الموجودة في الكون والوجود والحياة والإنسان والغيب والشهـادة، وذلك بتقديمها لجوانب مختلفة ومتنوعة من حياة الأنبياء والأمم السابقة، وتفعيل تجربتها الإنسانية عبر ثنائية الكفر والإيمـان. وقد توزعت هذه المادة بهيئة هنـدسية متفردة، وإيقـاع منسـجم مع سياق ومكونات السور، التي وردت فيها.

فالمادة القصصية تعلن عن حضورها وديمومتها، من خلال بناء تصور فكري ومعرفي وجمالي، يسعى لاستكمال حلقات الاستنباط المتجدد للأحكام الفقهية والتشريعية والقيم الإنسانية، فضلا عن تلبيتها لاحتياجات نفسية وتربوية وجمالية عميقة. [ ص: 37 ]

والمتلقي للقرآن الكريم، ليندهش من وفرة هذه المادة، بحيث ما يكاد يستـهل سـورة البقـرة، إلا ويجد نفسه أمام صورة قصصية أو حوار قصصي أو غيرهما، لتتوالى بعد ذلك المادة القصصية بشكل يفوق توقعاته.

ويمكن أن نفرق بين نوعين من القصص في القرآن الكريم:

النـوع الأول: وهو المتـكامل، الذي له بداية ونهاية، فلكل نبي مذكور في القرآن قصة، ولكل أمة سلفت رواية، ولكل حادثة ذات مغزى في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه حكاية، كقصة إبراهيم وعيسى وهود وثمود وموسى ويوسف، وفتية الكهف وغيرهم.

النوع الثاني: وهو المفتوح، الذي لا تتوفر فيها شروط القصة المتكاملة من بداية ونهاية وشخصيات معروفة، وإنما تسرد مجموعة من المواقف واللمحات الإنسانية، أو إشارات موجزة لقصص بعض الشخصيات.

وإذا استعرنا المفاهيم الحديثة في مقاربة أشكال هذه المادة القصصية المتنوعة، والمختلفة، نجدها تتمثل في:

- القصة الطويلة: أو الرواية، فبالرغم من أنـها جنس أدبي يستعصي على التحديد، إلا أن لها مكونات أساسية تميزها عن الأجناس الأدبية الأخرى، منها: أنها شكل أدبي سردي يحكيه سارد، وبهذا تختلف عن المسرحية، التي تحكى قصتها من خلال أقوال وأفعال شخصياتها، وهي أطول من القصة القصيرة وتغطي فترة زمنية ممتدة، وتضم عددا من الشخصيات، وتفصل في السرد بدلا من التكثيف. ونجد قريبا من هذا المفهوم قصة يوسف، وقصة موسى في سورة القصص. [ ص: 38 ]

- القصـة القصـيرة: ويتـم التـركيز فيها على حدث أو موقف معين يكون هـو بؤرة الحكي، وتمتاز بالتكثيف والقصر، مثالها قصة يونس مع قومه في سورة الصافات.

- القصة الحوارية: وهي القصة، التي يغلب عليها أسلوب الحوار، كقصة الخلق في سورة البقرة.

- الإشارة القصصية: ونجدها تأتي بشكل ضمني في سياق معين، كما في قوله تعالى: ( ولوطا آتيناه حكما وعلما ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث إنهم كانوا قوم سوء فاسقين ) (الأنبياء:74)، وفـي قـولـه تـعـالى: ( قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار ) (آل عمران:13).

- الشذرة القصصية: وهي ما يعرف بالقصة القصيرة جدا، من حيث التكثيف والقصر وغير ذلك، ومثالها قصة نصرة رسول الله في هجرته في سورة التوبة، والمرأة التي نقضت غزلها في سورة النحل وغيرها.

وهـذه المـادة القصـصيـة "لا تقوم فقط إلى جانب دورها البياني، بدور الربط والمقارنة بين مواقف متعددة، بل تبدو وكأنها النسيج الفني المحكم لقصة واحدة تصل إلى غايتها حين يتخلى الإنسان، كل إنسان في كل زمان ومـكان، عن عناده وإصراره ويؤمن" [1] .

التالي السابق


الخدمات العلمية