الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        16530 - وفي هذا الباب :

                                                                                                                        وسئل مالك : عن الرجل يضطر إلى أكل الميتة وهو محرم . أيصيد الصيد فيأكله ؟ أم يأكل الميتة ؟ فقال : بل يأكل الميتة . وذلك أن الله - تبارك وتعالى - لم يرخص للمحرم في أكل الصيد ، ولا في أخذه ، في حال من الأحوال . وقد أرخص في الميتة على حال الضرورة .

                                                                                                                        16531 - قال مالك : وأما ما قتل المحرم أو ذبح من الصيد ، فلا يحل أكله لحلال ولا لمحرم ; لأنه ليس بذكي . كان خطأ أو عمدا . فأكله لا يحل . وقد سمعت ذلك من غير واحد .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        16532 - زاد أشهب : فمن كنت أقتدي به ونتعلم منه كلهم يقولون : لا يؤكل ، لأنه ليس بذكي .

                                                                                                                        [ ص: 310 ] 16533 - فقيل له : أرأيت من المحرمين عليهم جزاؤه ؟ فقال : أما من ليس بمحرم فلا أرى عليه جزاؤه وأما المحرمون ففيه نظر .

                                                                                                                        16534 - وقال أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد : إذا رمى المحرم الصيد . وسمى فقتله ; فعليه جزاؤه ، فإن أكل منه حلال فلا شيء عليه ، وإن أكل منه المحرم الذي قتله بعد ما جزاه فعليه قيمة ما أكل في قول أبي حنيفة .

                                                                                                                        16535 - وقال أبو يوسف ، ومحمد : لا جزاء عليه ، ولا ينبغي أن يأكله حلال ولا حرام .

                                                                                                                        16536 - وللشافعي قولان : أحدهما كقول مالك ، والآخر يأكله ولا يأكل الميتة .

                                                                                                                        16537 - وقال أبو ثور : إذا قتل المحرم الصيد فعليه جزاؤه ، وحلال أكل ذلك الصيد إلا أني أكرهه للذي صاده للخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " لحم الصيد لكم حلال ما لم تصيدوه أو يصد لكم " .

                                                                                                                        16538 - والحجة لمالك في مذهبه لهذه المسألة إجماع الجميع على أن من كان قادرا على ذبح الشاة من مذبحها فذبحها فقطع عنقها أو قتلها أنه لا يحل أكله ; لأنه استباح ذلك بخلاف ما أباح الله له . وكذلك يحرم الصيد على المحرم إذا فعل ; لأنه أباح غير ما أباحه الله له . فلا تقع ذكاة بما حرم الله فعله .

                                                                                                                        16539 - وهو قول داود وأصحابه ، وحجة من أجازه إجماع الجمهور على وقوع الذكاة بالسكين المعضوبة أو ذبح السارق .

                                                                                                                        [ ص: 311 ] 16540 - ذكر عبد الرزاق ، عن المثنى ، عن عطاء في المحرم المضطر ، قال : يأكل الميتة ويدع الصيد .

                                                                                                                        16541 - قال عبد الرزاق : وسئل الثوري وأنا أسمع عن المحرم يضطر فيجد الميتة ولحم الخنزير ، ولحم الصيد ؟ قال : يأكل الخنزير ، والميتة .

                                                                                                                        16542 - وذكر في باب آخر : سألت الثوري عن محرم ذبح صيدا هل يحل أكله لغيره ، قال : أخبرني الليث ، عن عطاء ، أنه قال : لا يحل أكله لأحد .

                                                                                                                        16543 - قال الثوري : وأخبرني أشعث ، عن الحكم بن عتيبة ، قال : لا بأس بأكله .

                                                                                                                        16544 - قال الثوري : وقول الحكم أحب إلي .

                                                                                                                        16545 - وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، عن ربيعة ، عن القاسم بن محمد وسالم أنهما قالا : لا يحل أكله لأحد بحال .

                                                                                                                        16546 - وقال أبو حنيفة ، والثوري ، وزفر : إذا اضطر المحرم أكل الميتة ولم يضطر . [ ص: 312 ] 16547 - وهذا أحد قولي الشافعي .

                                                                                                                        16548 - وقال أبو يوسف : يصيد ويأكل ، وعليه الجزاء ، ولا يأكل الميتة .

                                                                                                                        16549 - ولم يختلف قول الشافعي أنه لا يأكل المحرم ما صيد من أجله ، واختلف قوله في إيجاب الجزاء عليه إن أكل منه .




                                                                                                                        الخدمات العلمية