الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 362 ] تنبيه :

ظاهر قوله ( وإن جاوز دمها أكثر الحيض فهي مستحاضة ) فإن كان دمها متميزا ، بعضه ثخين أسود منتن ، وبعضه رقيق أحمر . ( فحيضها زمن الدم الأسود ) أنها تجلس الدم المتميز الأسود إذا صلح أن يكون حيضا من غير تكرار ، وهو صحيح ، وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب ، وهو المذهب .

قال الشارح : هو ظاهر كلام شيخنا هنا ، وهو ظاهر كلام أحمد ، والخرقي ، واختيار ابن عقيل . قال في الفروع : ولا يعتبر تكراره في الأصح ، قال ابن تميم : لا يفتقر التمييز إلى تكراره في أصح الوجهين ، واختاره المصنف ، والشارح ، وابن رزين في شرحه ، وجزم به في الوجيز ، ومجمع البحرين . وقال القاضي ، وأبو الحسن الآمدي : إنها تجلس من التمييز إذا تكرر ثلاثا أو مرتين ، على اختلاف الروايتين ، فيما تثبت به العادة . وقدمه في المغني ، والرعايتين ، وابن عبيدان ، وابن رزين . وأطلقهما المجد في شرحه ، والزركشي . قال في الفروع : وتثبت العادة بالتمييز ، لثبوتها بانقطاع الدم . ويعتبر التكرار في العادة ، كما سبق في اعتباره في التمييز خلاف ثان . فإن لم يعتبر فهل يقدم وقت هذه العادة على التمييز بعدها ؟ فيه وجهان ، وهل يعتبر في العادة التوالي ؟ فيه وجهان ، قال بعضهم : وعدمه أشهر . انتهى .

وقال في الرعاية الكبرى : ولا يعتبر في العادة التوالي في الأشهر . ويأتي نظير ذلك في المستحاضة المعتادة . فإنهما سواء في الحكم . قاله المصنف ، والشارح ، وصاحب الفروع ، وغيرهم ويأتي قريبا : هل يعتبر في جلوس من لم يكن دمها متميزا تكرار المستحاضة . أم لا ؟

فائدتان

إحداهما : تجلس المميزة زمن الدم الأسود ، أو الدم الثخين ، أو الدم المنتن ، بشرط أن يبلغ أقل الحيض ، ولم يجاوز أكثره على الصحيح في ذلك . وذكر أبو المعالي : أنه يعتبر اللون فقط . وقيل : ولم ينقص غيره عن أقل الطهر ، وجزم به ابن تميم ، والناظم ، وغيرهما . ولو جاوز التمييز أكثر الحيض بطلت دلالة التمييز [ ص: 363 ] على الصحيح من المذهب . وعنه لا تبطل دلالته بمجاوزته أكثر الحيض . فتجلس أكثر الحيض . وتأولها القاضي . وأطلقهما ابن تميم . فعلى المذهب : لو رأت دما أحمر ثم أسود . وجاوز الأسود أكثر الحيض جلست من الدم الأحمر على الصحيح ، قدمه في الفروع ، وغيره ، وصححه المجد وغيره . وقيل : تجلس من الأسود ; لأنه شبيه بدم الحيض ، جزم به في المغني ، والشرح ، وشرح ابن رزين ، والمستوعب ، وغيرهم . وأطلقه ابن تميم . ففي اعتبار التكرار الوجهان المتقدمان . ولو رأت دما أحمر ستة عشر يوما . ثم رأت دما أسود بقية الشهر : جلست الأسود فقط على الصحيح . وقيل : وتجلس من الأحمر أقل الحيض ، لإمكان حيضة أخرى . ذكره القاضي ، وغيره .

الثانية : لا يعتبر عدم زيادة الدمين على شهر ، على الصحيح من المذهب ، وصححه الزركشي . واعتبره القاضي ، وابن عقيل . قاله في الفائق ، وغيره . وقال في الفروع : ولا تبطل دلالة التمييز بزيادة الدمين على شهر في الأصح ، قوله ( وإن لم يكن متميزا قعدت من كل شهر غالب الحيض ) هذا المذهب . وعليه جماهير الأصحاب . قال في الفروع وغيره : هذا ظاهر المذهب ، قال المجد في شرحه ، وتبعه ابن عبيدان ، وصاحب مجمع البحرين : هذا الصحيح من الروايات ، واختاره الخرقي ، وابن أبي موسى ، والقاضي ، وأكثر أصحابه ، والمصنف ، والشارح ، والمجد ، وابن عبدوس في تذكرته ، وغيرهم ، وجزم به في العمدة ، والوجيز ، والمنور ، والمنتخب ، والإفادات ، وغيرهم . وعنه أقله ، اختارها أبو بكر ، وابن عقيل في التذكرة ، وغيرهما . وقدمه في الرعايتين ، والحاويين ، وعنه أكثره . وعنه عادة نسائها . كأمها وأختها وعمتها وخالتها . وأطلقهن في المستوعب والتلخيص ، والبلغة ، والهداية ، والمذهب .

تنبيهان : أحدهما : ظاهر قوله " وعنه عادة نسائها " إطلاق الأقارب ، وهو ظاهر [ ص: 364 ] كلام أكثر الأصحاب ، قال بعض الأصحاب : القربى فالقربى . منهم ابن تميم ، وابن حمدان . قلت : وهو أولى . ويكون تبينا للمطلق من كلامهم . فلو اختلفت عادتهن جلست الأقل . قاله القاضي ، وقدمه في الرعاية . وقيل : الأقل والأكثر سواء نقله ابن تميم . وقال في الفروع . تبعا لابن حمدان : وقيل تجلس الأكثر . وأطلقهما في الفروع ، وابن تميم ، وابن عبيدان . وقال أبو المعالي : تتحرى . انتهى .

فإن لم تكن لها أقارب ردت إلى غالب عادة نساء العالم ، وهي الست أو السبع على الصحيح . وقال بعض الأصحاب : من نساء بلدها . منهم ابن حمدان . قلت : وهو أولى ، الثاني : لم يعز المصنف في الكافي نقل الروايات الأربع في المبتدأة المستحاضة غير المميزة إلا إلى أبي الخطاب . والحاصل : أن الروايات فيها من غير نزاع بين الأصحاب عند أبي الخطاب وغيره : لم يختلف فيه اثنان . وإنما الخلاف في إثبات الروايات في المبتدأة أول ما ترى الدم كما تقدم . قال الزركشي : وهو سهو من المصنف . قلت : ليس في ذلك كبير أمر .

غايته : أن الأصحاب نقلوا الخلاف عن أحمد في المصنف . فعزي النقل إلى أبي الخطاب ، واعتمد على نقله . ولا يلزم من ذلك أن لا يكون غيره نقله .

التالي السابق


الخدمات العلمية