الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 468 ] فصل

فيما يجمع كليات المقاصد [ ص: 470 ] فصل فيما يجمع كليات المقاصد، لشيخ الإسلام أبي العباس أحمد ابن تيمية الحراني رحمه الله ورضي عنه وأثابه الجنة بفضل رحمته، إنه على كل شيء قدير.

قال الله تعالى: وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان [المائدة: 2].

والبر: ما حض الله به من واجب ومستحب.

والتقوى: حفظ حدود الله بأن لا يتعدى الواجب والمستحب والجائز. فالبر في الجنس، والتقوى في المقدار.

وضد ذلك: الإثم، وهو: جنس ما نهى الله عنه، والعدوان هو ما تعدى الحدود في الواجب والجائز والمستحب. فالعدوان ضد التقوى، كما أن الإثم ضد البر.

وفي « صحيح مسلم» عن النواس بن سمعان قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البر والإثم فقال: « البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس». [ ص: 472 ]

وقد بسطنا القول في هذا في غير هذا الموضع، والمقصود هنا أن الله أمر بالتعاون على هذا، ونهى عن التعاون على هذا. فالإنسان فيما أمر به ونهي عنه لا يخلو من أربعة أقسام:

* إما أن يفعل المأمور والمحظور جميعا، فيعين على هذا وهذا، كمن يعاون الذين يفعلون الظلم والفجور على هذا وعلى هذا، ويدخل في ذلك أعوان الظلمة من الأئمة والأمة إذا أعانوهم على البر وعلى الإثم.

* وإما أن يترك المأمور والمحظور جميعا، فلا يعين على بر ولا على إثم، كحال كثير ممن يتخلى عن الناس إما كسلا وإما بخلا وإما زهدا وورعا فاسدا، وإما لغير ذلك.

* وإما أن يعين على الإثم والعدوان دون البر والتقوى; كحال من يعين الظالمين والفاسقين على ظلمهم وفسقهم، ولا يعين على البر.

* وإما أن يعين على البر والتقوى ولا يعين على الإثم والعدوان. فهذا هو المؤمن التقي الذي أطاع الله ورسوله.

وهذا حال الناس في كل جنس أمر الله بأحد نوعيه وحرم الآخر، بل حكمهم في أمر الله ونهيه; فمنهم من يأتي بالمأمور والمحظور، [ ص: 473 ] ومنهم من يأتي بالمأمور دون المحظور.

وهذه الأقسام تعرض للإنسان الواحد بحسب أحواله، بل تعرض له في اليوم الواحد فيأتي بالأنواع الأربعة.

فأما الذي يأتي بطاعة الله دون معصيته، أو يأتي بمعصيته دون طاعته; فحكمهما ظاهر، وإن كان في بعض أنواعهما وأعيانهما تنازع واشتباه. لكن الجامع بين الطاعة والمعصية والتارك لهما كثيرا ما يضطرب الناس في أمرهما. والتحقيق: أنه يوزن ثواب طاعة الله هنا مع عقاب معصيته.

وأما التارك لهما فننظر فيما تركه من طاعة، هل كان واجبا يستحق على تركه عقابا؟ [و] فيما تركه من المعصية، هل قصد تركه على وجه يكون فيه ثواب؟ فإن كان كذلك له ثواب وعقاب كالأول. وإن لم يكن المتروك من الطاعة واجبا ولا المتروك من المعصية بقصد يثاب عليه، فهما لا له ولا عليه. فإن رجحت حسنات الأولين فهما خير منه، وإن رجحت سيئاته فهو خير منهما. [ ص: 474 ]

والمقصود أن الله إذ أوجب الإعانة على البر والتقوى، فقد دخل في ذلك فعل كل مأمور فإنه من البر، وحفظ حدود الله في كل شيء فهو التقوى.

التالي السابق


الخدمات العلمية