الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              الباب الرابع في مستند الراوي وكيفية ضبطه .

              ومستنده إما قراءة الشيخ عليه ، أو قراءته على الشيخ ، أو إجازته ، أو مناولته ، أو رؤيته بخطه في كتاب ، فهي خمس مراتب .

              الأولى : وهي الأعلى : قراءة الشيخ في معرض الإخبار ليروى عنه وذلك يسلط الراوي على أن يقول " حدثنا " و " أخبرنا " و " قال فلان " و " سمعته يقول " .

              الثانية : أن يقرأ على الشيخ وهو ساكت ، فهو كقول " هذا صحيح " فتجوز الرواية به خلافا لبعض أهل الظاهر ; إذ لو لم يكن صحيحا لكان سكوته وتقريره عليه فسقا قادحا في عدالته ، ولو جوزنا ذلك لجوزنا أن يكذب إذا نطق بكونه صحيحا .

              نعم لو كان ثم مخيلة قلة اكتراث أو غفلة فلا يكفي السكوت ، وهذا يسلط الراوي على أن يقول " أخبرنا وحدثنا فلان قراءة عليه " . أما قوله حدثنا " مطلقا أو " سمعت فلانا اختلفوا فيه ، والصحيح أنه لا يجوز لأنه يشعر بالنطق ; لأن الخبر والحديث والمسموع كل ذلك نطق ، وذلك منه كذب إلا إذا علم بصريح قوله أو بقرينة حاله أنه يريد به القراءة على الشيخ دون سماع حديثه .

              الثالثة : الإجازة ، وهو أن يقول : " أجزت لك أن تروي عني الكتاب الفلاني أو ما صح عندك من مسموعاتي " وعند ذلك يجب الاحتياط في تعيين المسموع ، أما إذا اقتصر على قوله : " هذا مسموعي من فلان " فلا تجوز الرواية عنه ; لأنه لم يأذن في الرواية ، فلعله لا يجوز الرواية لخلل يعرفه فيه وإن سمعه ، وكذلك لو قال : " عندي شهادة " لا يشهد ما لم يقل : " أذنت لك في أن تشهد على شهادتي " أو لم تقم تلك الشهادة في مجلس الحكم ; لأن الرواية شهادة والإنسان قد يتساهل في الكلام ، لكن عند جزم الشهادة قد يتوقف .

              ثم الإجازة تسلط الراوي على أن يقول : حدثنا وأخبرنا إجازة . أما قوله : " حدثنا " مطلقا جوزه قوم ، وهو فاسد لأنه يشعر بسماع كلامه وهو كذب كما ذكرناه في القراءة على الشيخ .

              الرابعة : المناولة ، وصورته أن يقول : " خذ هذا الكتاب وحدث به عني فقد سمعته من فلان " ومجرد المناولة دون هذا اللفظ لا معنى له ، وإذا وجد هذا اللفظ فلا معنى للمناولة فهو زيادة تكلف أحدثه بعض المحدثين بلا فائدة ، كما يجوز رواية الحديث بالإجازة فيجب العمل به خلافا لبعض أهل الظاهر ; لأن المقصود معرفة صحة الخبر لا عين الطريق المعرف .

              وقوله : " هذا الكتاب مسموعي فاروه عني " في التعريف كقراءته والقراءة عليه ، وقولهم : " إنه قادر على أن يحدثه به " فهو كذلك ، لكن أي حاجة إليه ؟ ويلزم أن لا تصح القراءة عليه لأنه قادر على القراءة بنفسه ، ويجب أن لا يروي في حياة الشيخ لأنه قادر على الرجوع إلى الأصل كما في الشهادة ، فدل أن هذا لا يعتبر في الرواية . الخامسة : الاعتماد على الخط بأن يرى مكتوبا بخطه " إني سمعت على فلان كذا " فلا يجوز أن يروي عنه لأن روايته شهادة عليه بأنه قاله .

              والخط لا يعرفه هذا ، نعم يجوز أن يقول : " رأيت مكتوبا في كتاب بخط ظننت أنه خط فلان " ، فإن الخط أيضا قد يشبه الخط . أما إذا قال : " هذا خطي " قبل قوله : " ولكن " لا يروي عنه ما لم يسلطه على الرواية بصريح قوله أو بقرينة حاله في الجلوس لرواية الحديث .

              أما إذا [ ص: 132 ] قال عدل : " هذه نسخة صحيحة من صحيح البخاري " مثلا فرأى فيه حديثا ، فليس له أن يروي عنه ، لكن هل يلزمه العمل ؟ إن كان مقلدا فعليه أن يسأل المجتهد ، وإن كان مجتهدا فقال قوم : لا يجوز له العمل به ما لم يسمعه . وقال قوم : إذا علم صحة النسخة بقول عدل جاز العمل ، لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يحملون صحف الصدقات إلى البلاد وكان الخلق يعتمدون تلك الصحف بشهادة حامل الصحف بصحته دون أن يسمعه كل واحد منه ، فإن ذلك يفيد سكون النفس وغلبة الظن .

              وعلى الجملة فلا ينبغي أن يروي إلا ما يعلم سماعه أولا وحفظه وضبطه إلى وقت الأداء ، بحيث يعلم أن ما أداه هو الذي سمعه ولم يتغير منه حرف ، فإن شك في شيء منه فليترك الرواية .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية