الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              مسألة : في القرآن محكم ومتشابه

              القرآن محكم ومتشابه

              كما قال تعالى { منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات } . واختلفوا في معناه . وإذا لم يرد توقيف في بيانه فينبغي أن يفسر بما يعرفه أهل اللغة ويناسب اللفظ من حيث الوضع ، ولا يناسبه قولهم : المتشابه هي الحروف المقطعة في أوائل السور والمحكم ما وراء ذلك ، ولا قولهم : المحكم ما يعرفه الراسخون في العلم والمتشابه ما ينفرد الله تعالى بعلمه ، ولا قولهم : المحكم الوعد والوعيد والحلال والحرام والمتشابه القصص والأمثال ، وهذا أبعد .

              بل الصحيح أن المحكم يرجع إلى معنيين

              أحدهما : المكشوف المعنى الذي لا يتطرق إليه إشكال واحتمال والمتشابه ما تعارض فيه الاحتمال

              الثاني : أن المحكم ما انتظم وترتب ترتيبا مفيدا على ما ظاهر أو على تأويل ما لم يكن فيه متناقض ومختلف ، لكن هذا المحكم يقابله المثبج والفاسد دون المتشابه ، وأما المتشابه فيجوز أن يعبر به عن الأسماء المشتركة كالقرء وكقوله تعالى { الذي بيده عقدة النكاح } فإنه مردد بين الزوج والولي ، وكاللمس المردد بين المس والوطء .

              وقد يطلق على ما ورد في صفات الله مما يوهم ظاهره الجهة والتشبيه ويحتاج إلى تأويله . فإن قيل : قوله تعالى { وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم } الواو للعطف أم الأولى الوقف على الله ؟ قلنا كل واحد محتمل ، فإن كان المراد به وقت القيامة فالوقف أولى وإلا فالعطف ، إذ الظاهر أن الله تعالى لا يخاطب العرب بما لا سبيل إلى معرفته لأحد من الخلق .

              فإن قيل : فما معنى الحروف في أوائل السور ، إذ لا يعرف أحد معناها ؟ قلنا : أكثر الناس فيها وأقربها أقاويل ، أحدها : أنها أسامي السور حتى تعرف بها ، فيقال سورة يس . وقيل : ذكرها الله تعالى لجمع دواعي العرب إلى الاستماع ; لأنها تخالف عادتهم فتوقظهم عن الغفلة حتى تصرف قلوبهم إلى الإصغاء فلم يذكرها لإرادة معنى .

              وقيل : إنما ذكرها كناية عن سائر حروف المعجم التي لا يخرج عنها جميع كلام العرب تنبيها أنه ليس يخاطبهم إلا بلغتهم وحروفهم . وقد ينبه ببعض الشيء على كله ، يقال : قرأ سورة البقرة وأنشد " ألا هبي " يعني جميع السورة والقصيدة قال الشاعر :

              يناشدني حاميم والرمح شاجر فهلا تلا حاميم قبل التقدم

              كنى بحاميم عن القرآن فقد ثبت أنه ليس في القرآن ما لا تفهمه العرب .

              فإن قيل [ ص: 86 ] العرب إنما تفهم من قوله تعالى : { وهو القاهر فوق عباده } و { الرحمن على العرش استوى } الجهة والاستقرار وقد أريد به غيره فهو متشابه . قلنا : هيهات فإن هذه كنايات واستعارات يفهمها المؤمنون من العرب المصدقين بأن الله تعالى { ليس كمثله شيء } وأنها مؤولة تأويلات تناسب تفاهم العرب .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية