الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              مسألة إذا أفتى بعض الصحابة بفتوى وسكت الآخرون لم ينعقد الإجماع ولا ينسب إلى ساكت قول ، وقال قوم : إذا انتشر وسكتوا ، فسكوتهم كالنطق حتى يتم به الإجماع .

              وشرط قوم انقراض العصر على السكوت ، وقال قوم : هو حجة وليس بإجماع ، وقال قوم : ليس بحجة ولا إجماع ، ولكنه دليل تجويزهم الاجتهاد في المسألة ، والمختار أنه ليس بإجماع ولا حجة ، ولا هو دليل على تجويز الاجتهاد في المسألة إلا إذا دلت قرائن الأحوال على أنهم سكتوا مضمرين الرضا وجواز الأخذ به عند السكوت .

              والدليل عليه أن فتواه إنما تعلم بقوله الصريح الذي لا يتطرق إليه احتمال وتردد ، والسكوت متردد فقد يسكت من غير إضمار الرضا لسبعة أسباب :

              الأول : أن يكون في باطنه مانع من إظهار القول ، ونحن لا نطلع عليه ، وقد تظهر قرائن السخط عليه مع سكوته

              الثاني : أن يسكت ; لأنه يراه قولا سائغا لمن أداه إليه اجتهاده ، وإن لم يكن هو موافقا عليه بل كان يعتقد خطأه .

              الثالث : أن يعتقد أن كل مجتهد مصيب فلا يرى الإنكار في المجتهدات أصلا ولا يرى الجواب إلا فرض كفاية ، فإذا كفاه من هو مصيب سكت ، وإن خالف اجتهاده .

              الرابع : أن يسكت وهو منكر لكن ينتظر فرصة الإنكار ولا يرى البدار مصلحة لعارض من العوارض ينتظر زواله ثم يموت قبل زوال ذلك العارض أو يشتغل عنه .

              الخامس : أن يعلم أنه لو أنكر لم يلتفت إليه وناله ذل وهوان كما قال ابن عباس في سكوته عن إنكار العول في حياة عمر كان رجلا مهيبا فهبته .

              السادس : أن يسكت ; لأنه متوقف في المسألة ; لأنه بعد في مهلة النظر .

              السابع : أن يسكت لظنه أن غيره قد كفاه الإنكار وأغناه عن الإظهار ثم يكون قد غلط فيه فترك الإنكار عن توهم ; إذ رأى الإنكار فرض كفاية وظن أنه قد كفي وهو مخطئ في وهمه . فإن قيل : لو كان فيه خلاف لظهر .

              قلنا : ولو كان فيه وفاق لظهر ، فإن تصور عارض يمنع من ظهور الوفاق تصور مثله في ظهور الخلاف . وبهذا يبطل قول الجبائي حيث شرط انقراض العصر في السكوت ; إذ من العوارض المذكورة ما يدوم إلى آخر العصر . أما من قال : هو حجة ، وإن لم يكن إجماعا ، فهو [ ص: 152 ] تحكم ; لأنه قول بعض الأمة ، والعصمة إنما تثبت للكل فقط . فإن قيل : نعلم قطعا أن التابعين كانوا إذا أشكل عليهم مسألة فنقل إليهم مذهب بعض الصحابة مع انتشاره وسكوت الباقين كانوا لا يجوزون العدول عنه ، فهو إجماع منهم على كونه حجة .

              قلنا : هذا إجماع غير مسلم ، بل لم يزل العلماء مختلفين في هذه المسألة ، ويعلم المحصلون أن السكوت متردد ، وأن قول بعض الأمة لا حجة فيه .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية