[ ص: 269 ] في صيغته وهي " افعل " وفي معناه " ليفعل " . قال
ابن فارس : الأمر بلفظ " افعل " وليفعل نحو ، {
وأقيموا الصلاة } {
وليحكم أهل الإنجيل } . وقد اختلف النحويون في أصل فعل الأمر هل هو " افعل " أو ليفعل " ؟ فذهب قوم إلى أن الأصل " ليفعل " ; لأن الأمر معنى ، والأصل في المعاني أن تستفاد بالحروف كالنهي وغيره . وذهب الأكثرون إلى أن الأصل " افعل " ; لأنه يفيد المعنى بنفسه بلا واسطة بخلاف " ليفعل " فإنه يستفاد من اللام . حكاه
العكبري في شرح الإيضاح " ، فأما منكرو الكلام النفسي فذهبوا إلى أن
العرب لم تضع له صيغته ; لأن الأمر عندهم هو الصيغة ، فكيف توضع صيغة للصيغة ؟ وإضافته إليه من باب تسمية الشيء بنفسه . وقال
ابن القشيري : الصيغة العبارة المصوغة للمعنى القائم بالنفسي ، فإذا قلنا : هل الأمر صيغة ؟ فالمعني به أن الأمر القائم بالنفس هل صيغت له عبارة مشعرة به ؟ ومن نفى كلام النفس إذا قال : صيغة الأمر كذا ، فنفس الصيغة عنده هي الأمر ، فإذا أضيفت الصيغة إلى الأوامر لم تكن الإضافة حقيقية ، بل هو من باب قولك : نفس الشيء ذاته ، ولرجوع أقسام الكلام عندهم إلى العبارة .
[ ص: 270 ] وأما أصحابنا المثبتون لكلام النفس فاختلفوا هل للأمر صيغة مخصوصة ؟ أي : أن
العرب صاغت للأمر لفظا يختص به ; أي : وضعت للدلالة على ما في النفس لفظة تدل على كونها أمرا ، وإذا قلنا بأن لها صيغة فما مقتضى تلك الصيغة ؟ فأما الأول : فذهب الجمهور ، ومنهم
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة والأوزاعي وجماعة من أهل العلم كما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11976الشيخ أبو حامد إلى أن له صيغة تدل على كونه أمرا إذا تجردت عن القرائن ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=13902البلخي ، وقال
ابن السمعاني : وبه قال عامة أهل العلم . انتهى . ونقل عن الشيخ
أبي الحسن الأشعري أنه لا صيغة له تختص به ، وأن قول القائل " افعل " متردد بين الأمر والنهي ، وإن فرض حمله على غير النهي ، فهو متردد بين جميع محتملاته . قال
ابن السمعاني : وحكي ذلك عن
ابن سريج ولا يصح عنه ، وقال
أبو الحسين بن القطان : وحكي ذلك عن
ابن سريج ونسبه إلى
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ; لأنه قال في أحكام القرآن " : لما قال تعالى : {
فانكحوا ما طاب لكم من النساء } احتمل أمرين ; قال : فلما احتمل
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي الأمر في تلك دل على أنه وقف به الدليل . قال أصحابنا : وهذا تعنت من
أبي العباس ; لأن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي يقول ذلك كثيرا ، ويريد أنه يحتمل أن ترد دلالة تخصه ، ويحتمل أن تخلى والإطلاق ، وإنما أراد
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي بذلك أنه يجوز أن يخص ، كما يقول بمثله في العموم قال : ولا خلاف أن الأمر إذا اقترن به الوعيد يكون على الوجوب . ا هـ .
ثم اختلف أصحابنا في تنزيل مذهبه ، فقيل : اللفظ صالح لجميع المحامل
[ ص: 271 ] صلاح اللفظ المشترك للمعاني التي ثبت اللفظ بها ، وقيل : لا خلاف أن قول الشارع : أمرتكم ونحوه دل على الأمر ، ولكن الخلاف في أن
قوله : " افعل " هل يدل على الأمر مجرد صيغته أم لا بد من قرينة ؟ وقيل : أراد الوقف بمعنى لا ندري على أي وضع جرى فهو مشكوك . ثم نقلوا عنه أنه يستمر على القول به مع فرض القرائن . قال
إمام الحرمين : وهو ذلك بين في النقل عنه وقال : لعله في مراتب المقال دون الحال . انتهى . ولا معنى لاستبعاد ذلك فإن القرائن لا تبين الموضع الذي وقف
الشيخ فيه ، وإنما تبين مراد المتكلم .
ثم قال : والذي أراه في ذلك قاطعا به أن
أبا الحسن لا ينكر صيغة مشعرة بالوجوب الذي هو مقتضى الكلام القائم بالنفس . نحو قول القائل : أوجبت أو ألزمت ونحوه ، وإنما الذي يتردد فيه مجرد قول القائل : " افعل " من حيث وجده في وضع اللسان مترددا ، وحينئذ فلا يظن به عند القرينة نحو " افعل " حتما . أو واجب . نعم . قد يتردد في الصيغة التي فيها الكلام إذا قرنت بهذه الألفاظ فالمشعر بالأمر النفسي الألفاظ المقترنة بقول القائل : " افعل " أم لفظ " افعل " ، وهذه الألفاظ تفسير لها ؟ وهذا تردد قريب ، ثم ما نقله النقلة يختص بقرائن المقال على ما فيه من الخبط ، فأما قرائن الأحوال فلا ينكرها أحد ، وهذا هو التنبيه على سر مذهب
أبي الحسن nindex.php?page=showalam&ids=14958والقاضي وطبقة الواقفية . انتهى .
واستبعد
الغزالي النقل عن
الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=14958والقاضي بالوقف عنهما أن له صيغة مختصة به إجماعا ، وهو قوله : أمرتك أو أنت مأمور به . قال
الهندي : وفيه نظر ; لأن ذلك ليس صيغة للأمر ، بل هو إخبار عن
[ ص: 272 ] وجود الأمر ، ولو سلم أن ذلك يستعمل إنشاء فليس فيه دلالة على المطلوب ; وهو كون الصيغة مختصة به ، لأنه حينئذ يكون مشتركا بينه وبين الإخبار فلا تكون الصيغة مختصة به . وقال
ابن برهان : إنما صار شيخنا
أبو الحسن إلى أنه لا صيغة للأمر ; لأن ذلك لا يتلقى من العقل ; إذ العقل لا يدل على وضع الصيغ والعبارات ، وإنما يتلقى من جهة النقل وقد استعملتها
العرب في جهات كثيرة فدل على أنها مشتركة . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11976الشيخ أبو حامد الإسفراييني في كتابه : فذهب أئمة الفقهاء [ إلى ] أن الأمر له صيغة تدل بمجردها على كونها أمرا إذا تعرت عن القرائن ، وذهب
المعتزلة غير
البلخي إلى أنه لا صيغة له ، ولا يدل اللفظ بمجرده على كونه أمرا وإنما يكون أمرا بقرينة الإرادة .
قال : وذهب
الأشعري ومن تابعه إلى أن الأمر هو معنى قائم بنفس الأمر لا يفارق الذات ولا يزايلها ؟ وكذلك عنه سائر أقسام الكلام من النهي والخبر والاستخبار وغير ذلك كل هذه عنده معان قائمة بالذات لا تزايلها ؟ كالقدرة والعلم ، وكان
ابن كلاب يقول : هي حكاية الأمر ، وخالفه
الأشعري ، وقال : لا يجوز أن يقال : هي حكاية لاستلزامها أن يكون الشيء مثل المحكي لكن هو عبارة عن الأمر القائم بالنفس . قال : وعلى هذا فلا خلاف بيننا وبينهم في المعنى ; لأنه إذا كان الأمر عندهم هو المعنى القائم بالنفس ، فذلك المعنى لا يقال : إنه له صيغة أو ليست له صيغة ، وإنما يقال ذلك في الألفاظ . ولكن يقع الخلاف في اللفظ الذي هو عندهم عبارة عن الأمر ، ولا دالا على ذلك بمجرد صيغته ، ولكن يكون موقوفا على ما بينه الدليل ، فإن دل الدليل على أنه أريد به العبارة عن الأمر حمل عليه . وإن دل الدليل على أنه أريد به العبارة عن غيره من
[ ص: 273 ] التهديد والتعجيز والتحقير وغير ذلك حمل عليه ، ثم احتج
nindex.php?page=showalam&ids=11976الشيخ أبو حامد على أن الأمر له صيغة كقوله تعالى : {
إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون } قال : ففي هذه رد على من يقول : لا صيغة للأمر حيث قال : إنما أمره فجعل أمره " كن " ، وهي صيغة ، وفيها رد على القائلين : إن الأمر يتضمن الإرادة ، فإن الآية فيها الفصل بين الإرادة والأمر قال : {
إنما أمره إذا أراد } .
قال : والدليل المعتمد لأصحابنا أن أهل اللغة الذين نزل القرآن بلغتهم يفرقون بين صيغة الأمر والخبر وغير ذلك من أقسام الكلام . وقال
المازري : ذهب
الأشعري وجماعة من
المتكلمين إلى القول بالوقف ، وحكي عن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ; لأنه قال في قوله تعالى : {
وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم } لا يستدل بها على إيجاب العقد ، وعلى ولي المرأة لتردد الأمر بين الإيجاب والندب . لكن الواقفية اختلفوا في حقيقة الوقف هل هو وقف جهالة بما عند
العرب ، أو وقف عارف بما عندهم ، وهو كون هذا اللفظ مشتركا بين المصارف الآتية فيقف حتى يتبين المراد باللفظ المجمل ؟ على قولين . قال : وأما من نقل عن
الأشعري الوقف ، وإن ظهرت القرائن فقد أغلى ، ولو ثبت فلعل الوقف في الإفادة بما جعلت هذه اللفظة أو اللسان . انتهى .
وذهب غير
الواقفية إلى أنها ظاهرة في الوجوب ، ونقله
أبو الحسين بن القطان عن أصحابنا . قال : وقد ذكر الله في كتابه الأمر على أوجه كثيرة ، والظاهر منها للوجوب إلا أن الدليل قام في بعضها على غير الوجوب ، ومختار
إمام الحرمين القطع باقتضائها الطلب المنحصر مصيرا إلى أن
العرب فصلت بين قول القائل : " افعل " وبين قوله : " لا تفعل " .