الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الوساوس الشيطانية ترهقني، فكيف أتخلص منها؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا مسلم، -ولله الحمد-، لكنني مقصِّر في صلاتي وعبادتي، وعلاقتي بالله -عز وجل- متذبذبة، غير ملتزم بالصلوات وأرتكب المعاصي، وأنظر إلى الحرام، وقد حاولت مرارًا وتكرارًا أن أكف عن هذه المعاصي، لكن لا ألبث أن أعود إليها، حتى أصبحت مدمنًا عليها، مع أنني متزوج.

في الفترة الأخيرة أصبحت أعاني من أفكار شيطانية تراودني بين الحين والآخر، تتعلق بكيفية وجود الله -عز وجل- من غير خالق، وكيف سنعيش إلى الأبد بلا نهاية؟ أسترسل في هذه الأفكار حتى أشعر وكأنني أفقد عقلي، فأبدأ بالصراخ والضرب والهروب، لكن لساني حينها لا يذكر إلا الله.

أعينوني -بارك الله فيكم-، فأنا في وضع حرج وصعب، وحياتي على المحك.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ باسل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك -أخي الكريم- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يرفع عنك ما حل بك، وأن يجنبك طرق الغواية وأهلها، وأن يصرف عنك شر كل ذي شر.

أخي: لقد ابتليت بمرضي الشهوة والشبهة، وكلاهما له علاج، وقد ابتلي بهما خلق كثير، فنجا من أراد السلامة وعمل لها، وهلك من أراد السلامة ولم يعمل بها، ونحن هنا سنرشدك إلى الطريق، لكن السير عليه وقف عليك، لن يساعدك أحدٌ إلا إذا بادرت أنت واجتهدت، فإن فعلت أعانك الله وسدد خطاك، قال الله: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} [العنكبوت 69].

أخي: لا شك أن قطع الصلوات، وارتكاب المحرمات، وتكرار الذنب علامةٌ على ضعف الإيمان، مع قوة الشهوة الدافعة إلى المعصية، وهذا ما يسميه العلماء بالإصرار على المعصية، أي الإقـامة على الشيء والمداومة عليه، بحيث يعزم ولا يفعل.

لكن هناك في قلبك إيمانٌ صادقٌ، وبذرة خير مزروعة فيك، فأنت مع وقوعك في المعاصي لا تحب ذلك ولا ترضاه، بل تريد الصلاح، ولكنك تجهل الطريقة، أو تعجز عن المسير فيه، لكن هذا له حلول سندلك عليها، ونرجو منك -يا أخي- الالتفات إلى العمل، والصبر عليه، وستجد الطريق يتضح لك ويحلو في ناظريك، وتنقشع عنك غبار المعاصي بعد قليل -بإذن الله-.

المهم أن تسير على النقاط التالية:

1- الرجاء بالله لا ينقطع: وأول ما ينبغي أن ننبه إليه هو أن الرجاء في الله لا ينبغي أن يُقطع، فهو أقرب إليك من حبل الوريد، وهو -سبحانه- الذي يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، وهو القائل سبحانه: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً} [الزمر 53]، فمهما كان الذنب فالله -عز وجل- يغفر ويرحم فهو القائل سبحانه: {ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم}، فأمّل في الله خيرًا.

2- الحذر من غضبة الله عز وجل: إذا قلنا الرجاء بالله لا ينقطع فينبغي أن نعلم أن لله غضبة، وأنه يغار سبحانه على حدوده أن تنتهك، والله يمهل العبد لكنه لا يهمله، والعبد الراجي بحق هو الذي يعيش بين الخوف والرجاء، كما قال تعالى: {إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً} [الأنبياء 90]، فلا تتكاسل، أو تعتمد على عفوه وأنت مقيم على ذنبه.

3- دراسة أسباب المعصية وإزالتها: حتى تكون التوبة صحيحة والخروج منها آمنًا، فعليك أن تدرس أسباب الوقوع في الذنوب، ومن ثم تجتهد في إزالة السبب الداعي إلى المعصية، فهذا هو الطريق السالم.

4- الحرص على زيادة الإيمان في قلبك: فإن الإيمان العامر في القلب تنصاع له الجوارح، ولا يزيد إيمانك إلا بالمحافظة على الفرائض تامة، وأول ذلك الصلاة في جماعة، ثم الاجتهاد في النوافل، ومنها: قراءة القرآن، وكثرة الأذكار، مع الصحبة الصالحة.

وما يعينك على الطاعة والالتزام بها، والابتعاد عن المعاصي:

- استحضار عظمة الله ومراقبته، والإيمان بأنه مطلعٌ عليك، بصير بحالك في كل وقت، في سرك وجهرك، واعلم أن عظمة الله ومحبته لو تمكنت من قلبك فلن تقدر على المعصية، ويمكن أن تجد بغيتك في موقعنا إسلام ويب.

- تذكر باستمرار صرعة الموت، والوفود على الله للحساب، وضمة القبر، وما يتبعها من أهوال، ويوم القيامة وما فيه من عذاب، واستحضر حال من قبض ومات، وهو مقيم على المعصية، فكيف يقابل ربه!

5- كثرة دعاء الله -عز وجل- وبخاصة في جوف الليل، فإن شرف المؤمن في قيام الليل، والله -عز وجل- ينزل نزولاً يليق به إلى سماء الدنيا، ليجيب دعوة المضطرين، فالزم الليل ولو بركعتين، ففيه الخير الكثير.

6- احذر اليأس من رحمة الله، ولا تقل يا رب ذنبي كبيرٌ ولكن قل لذنبك: ربي كبيرٌ.

7- لا تتحدث عن المعصية، ولا تشهر بنفسك، ولا تعترف على نفسك بشيء مما يكون بين الأصدقاء من حديث، بل يكفيك التوبة لله، والستر؛ فالتحدث بالمعاصي لون من ألوان الجهر، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "كل أمتي معافى إلا المجاهرين –أي إلا المجاهرين بالمعاصي– وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل الذنب بالليل فيستره الله، فيصبح فيقول: يا فلان قد عملت البارحة كذا وكذا، فيبيت يستره الله ثم يصبح فيهتك ستر الله عليه".

8- ابتعد عن قرناء السوء وأصحاب المعصية، وخاصة من يذكرونك بهذا الشر العظيم، ويمكن أن تتبع أربعة أمور للابتعاد عنهم:

- إيجاد عناصر من الأصدقاء المتميزين والمتدينين، والجلوس معهم، والتودد إليهم، والاقتراب منهم، والحرص على التواصل عن طريق اللقاءات، وإن تعسر، فعن طريق الجوال والرسائل والإيميلات.

- عدم تحديد مواعيد لأصدقائك السيئين، والابتعاد عن أماكن وجودهم، ومسح أرقامهم من جوالك، وإن تعسر ذلك ولزم الأمر لا محالة، فاحرص أن يكون اللقاء معهم في صحبة بعض الأخوة الصالحين.

- الظهور العلني أمام الأصدقاء السيئين –إن لزم الأمر ولم يكن بد من الابتعاد- بمظهر التائب، والإعلان عن ذلك، وإهدائهم أشرطة وكتيبات إسلامية تحث على التوبة.

- اجتهد في إشغال وقتك بصورة منظمة حتى لا تشعر بأوقات فراغ يذكرك بهم، أو يشجعك على الاتصال بهم.

وأما مسألة الوساوس التي تأتيك فأمرها هينٌ، فلا تقلق منها ولا تعيرها اهتمامًا كبيرًا، وافعل ما يلي:

أولاً: لا تضخم شأن الوسواس ولا تسترسل معه، ولا تعطيه أكبر من حجمه، فهو لا يستحق إلا الازدراء، والتحقير.

ثانيًا: بيئة الوسواس هي بيئة الجهل والتفكير السلبي، وهو يعتمد في ضحيته على أمرين:
- إظهار ضعفه وخوفه وعجزه عن مقاومته.
- إضعاف ثقته بنفسه ودينه وربه.

وعليه: فأول ما ينبغي عليك فعله تحويل كل أمر سلبي في حياتك إلى إيجابي، مع ربط الوسواس -كما ذكرنا- بالسخف، ولا يكفي أن يكون ذلك اعتقادًا داخليًا، بل يلزم التلفظ به، بأن تقول: هذا وسواس، كلام فارغ، كلام سخيف، هذا نوع من التغيير المعرفي المهم جدًّا، فحين يستخف الإنسان بشيء فسوف يحتقره، وحين يحتقره سوف يحدث ما يعرف بفك الارتباط الشرطي، أي أن الوسواس يُصبح وكأنه ليس جزءًا من حالة الإنسان.

وثالثاً: ننصحك بقراءة كتاب مبسط في العقيدة، مثل كتاب 200 سؤال وجواب حول العقيدة، كبداية لك، كما ننصحك بسماع بعض الشروحات في العقيدة هنا على موقعنا إسلام ويب.

وعليك أن تعلم: أن ما وجدته في نفسك لا يؤاخذ عليه العبد، بل إنكاره دليل إيمان، فقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "جاء ناسٌ من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، قال: أوقد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان."

وقد ذكر أهل العلم فارقًا هامًا يتعرف العبد إن كان الوسواس منه أو من الشيطان، فذكروا أن الإنسان إذا لم يرض بما قيل وتمعر وجهه مما يقال له: فهذا من الشيطان، وأما إذا كان مطمئنًا غير مبال بما قال وهو معتقد به فهذا منه، والأمر عندك بعيد، فاطمئن، ولكن عليك أن تجتهد في التعلم، وألا تسترسل مع الوساوس، وأن تسرع بالتوبة والأوبة لله -عز وجل-.

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً