الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

زوجي حنون لكنه إذا غضب ينقلب إلى وحش يضرب ويشتم!

السؤال

السلام عليكم
أتمنى من الله أن يمدكم بالصحة والعافية والرضا، على هذه المنصة الجميلة.

أنا الآن في بيت أهلي، لدي مشاكل كثيرة مع زوجي، وصراحة كنت أفكر في الطلاق، رغم أني ما زلت لم أفاتح أهلي في الموضوع، فهم يعتقدون أني أتيت فقط للزيارة، يكبرني زوجي بـ 14 سنة، وهذا لم يكن يسبب لي مشكلة قط أكثر مما يسبب له هو المشكلة، بحكم أني جميلة وصغيرة، فكان دائماً هذا الأمر يجعله يتوتر، وعند كل نقاش يقول: أنت وجدت رجلاً آخر، وعندك علاقة أخرى!

المشكلة الأولى: هي الفارق العمري الذي بيننا، ورغم ذلك لم أكترث كثيراً لهذا الأمر، وكنت آخذ الأمور على أنها مشاكل صغيرة وستنتهي، لكن كان العكس.

لا أنكر أن زوجي إنسان عانى الكثير من الصعاب والآلام، منذ كان طفلاً إلى غاية هذه الساعة، ولا أقول إنه كله سيئات، وأنا ملائكية، لا.. كل منا له شخصية، وأيضاً له إيجابيات، فهو رجل حنون بعض الشيء، ويساعدني في شؤون المنزل، وأيضاً يقوم بأخذي للتنزه من حين لآخر، ويحب أن يناقشني في كل أموره، ويأخذ بمشاورتي، وهو وفيّ، ويحبني ولا يخون، لكن هذا شيء، وعصبيته المفرطة وأقواله شيء آخر.

أحياناً يعد ولا يفي، ويغضب على أتفه الأسباب، ويجرح بالكلام القاسي، وقليل الاهتمام بابنته، لا يوفر حاجياتنا أنا وابنتي، وعليه ديون كثيرة، وربما هذا هو السبب في عدم تلبية الحاجيات المنزلية الأساسية.

لا يظهر الاحترام لي، ويشبهني بأرخص النساء، ويهددني بأخذ ابنتي لمكتب التربية عند كل مشكلة تقع بيننا، بحكم أننا في بلد أوروبي، ويهددني بالطلاق، ووقع الطلاق الرجعي مرتين بيننا، والطرد المستمر من البيت دون سبب، وسرق مالي وذهبي، رغم أني أعطيه.

أنا أتكلم عن محاسن ومساوئ زوجي، رغم كل ذلك لم أكن أفكر في ترك البيت وتركه، ولم أكن أفكر بإيقاف هذه العلاقة، فكان بعد كل مشكلة يأتي ليلقي عليّ كلمة: أنا أعتذر، وبعدها الصمت القاتل، ويمكن أن يدوم ليومين أو ثلاثة، دون أن ينظر لوجهي، أو يكلمني!

بعدها يأتي دوري، كنت دائماً السباقة للمناقشة، كنت أحب أن يكون بيننا نقاش بعد كل مشكلة، للمواجهة وإيجاد الحل، بعد أن تكون النفوس قد هدأت، لكن في الأشهر الأخيرة أصبحت المشاكل تتكاثر دون أي سبب قوي، مجرد أسباب تافهة جداً، هو يتوتر، ويصبح على هيئة وحش أمامي، والصراخ بصوت عالٍ، ويضرب كل ما يجد أمامه، يكسر الصحون، وقام بخنقي من رقبتي أكثر من مرة.

أصبحت أخاف منه كثيراً، وأخاف أن يفعل شيئاً لابنتي، ولو كان هناك سبب لصبرت وجلست معه، وأحاول تهدئته، لكن المشكلة أن الأسباب تافهة، ويمكن القول بأنه لا توجد أسباب، فقط محاولة افتعال المشاكل، يؤذيني بالضرب والألفاظ القبيحة والشتم لعائلتي، وهذه الأشياء يصعب عليّ أن أصبر عليها، والتغافل عنها.

أنا لا أريد أن تعيش ابنتي في هذا الجو منذ الصغر، ومع الخوف والصراخ، كما أني لا أريد لها أن تعيش بيني وبين زوجي بعد الطلاق، فتنقسم لنصفين، وهي في عمر سبعة أشهر، لا أريدها أن تكبر بعيدة عن أبيها، لا أستطيع التفكير في الأمر، وهذا ما جعلني ألجأ إلى هذه المنصة المحترمة، لكي أجد حلاً جذرياً، لإنقاذ حياتي الزوجية، وأيضاً لضمان العيش الهنيء لطفلتي.

مع فائق احترامي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابنتنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والحرص على السؤال، ونسأل الله أن يهدي زوجك لأحسن الأخلاق والأعمال، فإنه لا يهدي لأحسنها إلَّا هو.

سعدنا جدًّا برغبتك في أن تُكملي مشوار الحياة، وسعدنا أيضًا بذكر إيجابيات هذا الرجل، وأسعدنا أيضًا خوفك على هذه الطفلة الصغيرة، ونسأل الله أن يُعينكم على الخير.

نقترح عليك أولًا التركيز على الإيجابيات، وتفادي ما يُثير المشكلات، رغم أن هذه العصبية الزائدة مرفوضة؛ ولكننا نقول: الزوجة العاقلة -مثلك- تعرف الأمور التي تُغضب زوجها، فإذا تفادت هذه الأمور عاشت معه في أسعد حياة، وليس معنى هذا أن هذه الأمور لا تُناقش ولا تقبل التعديل، لكن تفادي المشاكل والصبر والاحتمال وفهم نفسيّة الزوج؛ هذا مفتاح أساسي للنجاح في الحياة.

نحن نذكر هنا قصة امرأة جاءها زوجها في ليلة بنائه بها، قال لها: (أنا سيئ الخُلق) وهذه أسوأ بشارة يمكن أن تسمعها الزوجة، لكن هذه العاقلة قالت له: (أسوأُ مِنك مَن يُلْجئُك إلى سوء الخُلق) وهذه تُعتبر كأنها طبيب نفسي متخصص عندما قالت له هذا الكلام، والعاقلة مثلك ترصد الأمور التي تُغضب زوجها فتتفاداها، وعند ذلك يتحقق لها الهدوء والسعادة والاستقرار.

قطعًا نحن لا نؤيد مسألة الجدال حتى يصل إلى الضرب والعدوان والخنق؛ هذه أمور لا يمكن أن تُقبل من الناحية الشرعية، ولا من الناحية القانونية، ولا نريد أن تصل إلى هذا المستوى، ولكن أعتقد أن لك دوراً كبيراً جدًّا في السيطرة على انفعالات الزوج وعلى انفعالاتك أيضًا.

نحن دائمًا نُذكّر بأن الوصية النبوية والوصفة النبوية لمن يغضب: أن يتعوذ بالله من الشيطان، ويذكر الرحمن، ويهجر المكان، ويُمسك اللسان، ويُهدئ الأركان، وإذا كان الغضب شديدًا يتوضأ، وإذا كان الغضب شديدًا جدًّا يُصلّي؛ لأن الله يقول: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ) ما هو العلاج يا رب؟ (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * واعْبُدْ رَبَّكَ حَتّى يَأْتِيَكَ الْيَقِين) [الحجر: 97-99].

قد علمنا من خلال السؤال أنه بعدما يُخطئ، وبعدما يفعل هذه الأشياء يأتي ليعتذر، هذا يُعطينا أملاً في أن تستقر الحياة وتستمر، وعلينا أن نعلم جميعًا أن خير الأصحاب خيرهم لصاحبه، وخير الأزواج خيرهم لزوجه، كما قال (ﷺ): (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، ‌وَأَنَا ‌خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي).

نحب أن نسأل عن الأشياء الأساسية: كيف أنتم مع الصلاة؟ وكيف أنتم مع صيام رمضان الذي نعتقد أنه فرصة لمراجعة النفس؟ لأن هذه أمور أساسية، ثم هل بالإمكان أن يتواصل هذا الزوج ويكتب ما عنده، ويعرض وجهة نظره، حتى تصلكم الإجابة التي تفيد كلا الطرفين.

على العموم: نسأل الله أن يؤلّف بين القلوب، وأن يغفر الزلّات والذنوب، وأن يُقدّر لكم الخير حيث كان، وأن يصرف عنكم شر الشيطان، الذي لا يريد لنا الخير، والذي يفرح ويلتزم بمن جاءه من جنوده بخبر هدم بيتٍ من البيوت وحدوث الطلاق، فَيَقُولُ لَهُ الْقَائِلُ: (لَمْ أَزَلْ بِفُلَانٍ ‌حَتَّى ‌طَلَّقَ ‌زَوْجَتَهُ) أو يقول له: (مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِهِ) فَيُدْنِيهِ ويَلْتَزِمُهُ وَيَقُولُ: (نعم أَنْتَ)، ذلك هو من أخبث أعمال الشيطان، نسأل الله أن يعيذنا من شر شياطين الجن والإنس.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً