الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

فضل حفظ القرآن وخطورة التجسس للتيقن من الاتهامات

السؤال

نص السؤال: بسم الله الرحمن الرحيم أنا أعيش في قرية فلسطينية داخل الخط الأخضر وقد هداني الله إلى الطريق الحق وأصبحت أصلي ولا أترك فرضا أبدا مهما كانت الظروف كما ألزمت أهل بيتي بذلك, ولكني منذ أن بدأت أرد بيت الله لاحظت أن هناك جماعة تحيط بإمام المسجد وهم المسيطرون على كل شيء من ناحية الأوقاف والصدقات وغيرها ولا يتقبلون أي توجيه أو انتقاد, وأنا من النوع الذي لا يستطيع السكوت على الخطأ ولذلك اتهمت طوال الوقت أن طبيعتي جدلية. وأنا والحمد الله أقوم منذ مدة بحفظ القرآن الكريم وفي إحدى المرات التي انتقدني بها الإمام قال لي إنه لا توجد آية بالقرآن الكريم تحث على حفظ القرآن الكريم ولذلك أنا لست بحاجة لأن أحفظه ؟وقبل سنة اعتقل أحد هؤلاء بتهمة حيازة الأسلحة وذلك بعد الانتخابات التي جرت في القرية وكان الهدف منها إعاثة الفوضى بالقرية وبعد خروج هذا الشخص من السجن عاد إلى مكانته الأولى وأخذ يخطب بالناس ولم يعترض أحد لأننا قلنا إن الله قد أعاده إلى صوابه ورجع إلى الحق ولكن منذ أسبوع تقريبا أخذت تنتشر شائعة أن هذا الشخص يقوم بالاتصال غير الشرعي بنساء المسلمين ويقوم بمضايقتهن بكلام غير لائق وأنا سمعت بهذا الحديث كغيري وكنت بين مصدق ومكذب ولم أخض في هذا الحديث إلا أمام زوجتي ولكن في ذات اليوم الذي سمعت به الخبر زارني إمام المسجد وأخذ يقول إن الله أعلمه بما كنا نتحدث أنا ومخبري بالخبر وأنه يجب علي أن أتأسف للمتهم وأن هذا خيانة وأعمال إنسان خائن وأن هذه نميمة وسأعاقب عليهامع العلم أني لم أعلق على هذا الخبر أمام أحد سوى زوجتي لأنها كانت فد تطوعت للعمل في المخيم الإسلامي وكان هذا الشخص متواجدا في قسم الرجال وكنت أريد التأكد أنه لم يتعرض لها. ومع العلم أن هناك حديثا للرسول عليه الصلاة والسلام \"إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا....\" ومن حقي معرفة الحقيقة لأنه أمر يمس المسلمين وسمعة رواد المساجد سؤالي هو: 1. هل مجرد سماعي للخبر يعتبر نميمة؟ 2. هل من حقي معرفة الحقيقة ومتابعة الخبر أم لا؟ 3. هل التحدث مع زوجتي بهذا الموضوع يعتبر نميمة؟ 4. هل حفظي للقرآن الكريم عبثي ولا فائدة منه كقول إمام المسجد؟ أرجو أن تفيدوني بذلك بأسرع وقت ممكن لأني أعيش في صراع داخلي كبير ولا أريد أن يطغيني الشيطان وأقوم بعمل لا أطيقه كترك الصلاة في المسجد أو أي شيء آخر

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن حفظ القرآن كاملا فرض كفاية، فإن وجد بين المسلمين من يكفي من حفظة القرآن سقط الإثم عن الباقين وإن لم يوجد ذلك أثم الجميع.

وقد نص الفقهاء على أن ما يتعين حفظه من القرآن الكريم على كل مسلم هو الفاتحة، وقد بينا ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 32515، 25499 فراجعها.

وهذا لا يعني التقليل من أهمية حفظ القرآن الكريم أو التهوين من شأنه، فقد وردت نصوص كثيرة في فضل حفظه كقوله صلى الله عليه وسلم: خيركم من تعلم القرآن وعلمه. أخرجه البخاري. وقوله صلى الله عليه وسلم: الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة.

وقوله صلى الله عليه وسلم : إن لله أهلين في الناس، قيل من هم يا رسول الله قال: أهل القرآن هم أهل الله وخاصته. رواه ابن ماجه وأحمد وغيرهما.

قال في شرح سنن ابن ماجه. قال في النهاية: أي حفظة القرآن العاملون به هم أولياء الله والمختصون به اختصاص أهل الإنسان به. انتهى.

ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية كنت تقرأ بها. رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وصححه الألباني.

قال الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة: واعلم أن المراد بقوله: صاحب القرآن حافظه عن ظهر قلب على حد قوله صلى الله عليه وسلم يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله. أي أحفظهم. فالتفاضل في درجات الجنة إنما هو على حسب الحفظ في الدنيا، وليس على حسب قراءته يومئذ واستكثاره منها، كما توهم بعضهم ففيه فضيلة ظاهرة لحافظ القرآن لكن بشرط أن يكون حفظه لوجه الله تبارك وتعالى وليس للدنيا والدرهم والدينار، وإلا فقد قال صلى الله عليه وسلم: أكثر منافقي أمتي قراؤها. انتهى.

وللمزيد من الفائدة حول فضل حفظ القرآن الكريم راجع الفتاوى التالية:10941، 13727، 19251.

وأما بخصوص كلامك مع زوجتك وتحذيرها فليس من الغيبة والنميمة المحرمين لأن العلماء قد نصوا على جواز ذلك إن كان بنية تحذير المسلمين من الشر ونصحهم، ومن باب أولى الزوجة بل إن تحذيرها واجب عليك لأن المسلم يجب عليه أن يحافظ على عرضه، لكن يجب عليك عدم التوسع في الكلام بما يزيد على النصح والتحذير. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 17373.

إلا أن الذي يجب عليك أن تنتبه له هو عدم بناء ذلك على الظنون والشكوك وأن اتهام المسلم بذلك دون تيقن من المحرمات لأن الله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ {الحجرات: 12} وقال النبي صلى الله عليه وسلم: كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه. رواه مسلم

وقال صلى الله عليه وسلم أيضا: إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تناجشوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا. رواه البخاري ومسلم.

واستماعك لمن نقل لك هذا الخبر مبني على ما ذكرناه فإن كان مجرد ظنون وإشاعات فلا يجوز لكما التحدث في ذلك أو تناقله، أما متابعة الخبر للتأكد منه بعد سماعه فلا يجوز لنهي الله تعالى عن التجسس في الآية السابقة، ولقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق بعد تحذيره من الظن: ولا تحسسوا ولا تجسسوا.

قال النووي رحمه الله في شرح مسلم قال بعض العلماء: التحسس بالحاء الاستماع لحديث القوم وبالجيم البحث عن العورات، وقيل بالجيم التفتيش عن بواطن الأمور.

وقال ابن حجر في الفتح: قال الخطابي: معناه لا تبحثوا عن عيوب الناس ولا تتبعوها.

والأصل في المسلم البراءة فلا يجوز اتهامه دون بينة، وأما إذا كان ذلك معروفا عنه وهو مجاهر به فإن تحذير المسلمين منه لا يعد من الغيبة المحرمة كما مر.

ولمعرفة أحكام الغيبة بتفصيل أكثر راجع الفتوى رقم: 6710.

وننبه الأخ السائل إلى أن قوله: "إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا" آية وليس حديثا، وهي قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ {الحجرات: 6}

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني