747 - أنا الحسن بن علي بن محمد الواعظ ، نا عمر بن أحمد المروروذي ، نا عبد الله بن سليمان ، نا موسى بن عامر بن خريم ، نا نا الوليد - يعني : ابن مسلم - ، بكير بن معروف ، نا عن مقاتل بن حيان ، عن أبيه ، عن جده : القاسم بن عبد الرحمن ، قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هل تدري أي المؤمنين أعلم ؟ " قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : " إذا اختلفوا وشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بين أصابعه أبصرهم بالحق ، وإن كان في عمله تقصير ، وإن كان يزحف على إسته زحفا " . عبد الله بن مسعود ،
فقد نص رسول الله صلى الله عليه وسلم ، على أن الحق يصيبه بالعلم بعض أهل الاختلاف ، ومنع أن يصيبه جميعهم مع اختلافهم .
ويدل على ذلك أيضا أنهم فلا يخلو من أحد ثلاثة أقسام : إذا اختلفوا على قولين متضادين ، مثل تحليل وتحريم ، وتصحيح وإفساد ، وإيجاب وإسقاط ،
إما أن يكون القولان فاسدين ، أو صحيحين ، أو أحدهما فاسدا ، والآخر صحيحا .
فلا يجوز أن يكونا فاسدين ، لأنه يؤدي إلى اجتماع الأمة على الخطأ .
ولا يجوز أن يكونا صحيحين ، لأنهما متضادان ، فيمتنع أن يكون [ ص: 120 ] الشيء الواحد حراما حلالا ، وواجبا غير واجب ، وصحيحا باطلا ، وإذا بطل هذان القسمان ، ثبت أن أحدهما صحيح ، والآخر فاسد ، فإن قال المخالف : هما صحيحان ولا يؤدي إلى التضاد ، ولا تستحيل صحتهما ، إلا أن ذلك إنما يستحيل على شخص واحد في وقت واحد ، وأما على شخصين أو فريقين ، فإن ذلك لا يستحيل كما ورد الشرع ، بإيجاب الصلاة على الطاهر وإسقاطها عن الحائض ، ووجوب إتمام الصلاة على المقيم ، والرخصة في القصر للمسافر .
وعندنا أم كل واحد من المجتهدين يلزمه ما أدى إليه اجتهاده ، فيحرم النبيذ على من أدى اجتهاده إلى تحريمه ، ويحل لمن أدى اجتهاده إلى تحليله ، وتجب النية للوضوء على من أدى اجتهاده إلى وجوبها وتسقط عمن أدى اجتهاده إلى صحته ، ويفسد في حق من أدى اجتهاده إلى فساده ، وإذا كان كذلك ، لم يكن فيه تضاد .
والجواب أن هذا خطأ : لأن الأدلة إذا كانت عامة لم يجز أن يكون أن يكون مدلولها خاصا ، والدلالة الدالة على كل واحد منها عامة في الجميع ، فلا يجوز أن يكون حكمها خاصا ، وإذا كانت الأحكام عامة ثبت التضاد .
وأيضا فإنه يلزم من يذهب إلى أن كل مجتهد مصيب ، إذا أداه اجتهاده إلى شيء ، وغيره من المجتهدين على ضد قوله في ذلك الشيء ، أن يكون مخيرا فيهما ، كالذي تلزمه كفارة يمين ، لما كانت الحقوق الثلاثة متساوية في كونها مما يجوز التكفير بها ، والكل صواب ، كان مخيرا فيها ، فلما لزم المجتهد أن يعمل بما يؤدي [ ص: 121 ] اجتهاده إليه دون ما خالفه من اجتهاد غيره ، ثبت أن الحق في واحد من القولين .
ودليل آخر يدل على أن كل مجتهد ليس بمصيب ، وهو أنا وجدنا أهل العلم في كل عصر يتناظرون ويتباحثون ، ويحتج بعضهم على بعض ، ولو كان كل واحد منهم مصيبا ، كانت المناظرة خطأ ولغوا ، لا فائدة فيها .
فإن قال المخالف : إنما يناظر أحد الخصمين الآخر ، حتى يغلب على ظنه ما أدى اجتهاده إليه ، فيرجع إلى قوله .
فالجواب أنه لا فائدة في رجوعه من حق إلى حق ، وكونه على ما هو عليه وانتقاله إلى ظن آخر سواء ، لا فرق بينهما ، وتحمل التعب والكلفة والتنازع والتخاصم لما ذكره المخالف ليس من فعل العقلاء ، وقد وجدنا الأمة متفقة على حسن المناظرة في هذه المسائل ، وعقد المجالس بسببها ، فسقط ما قاله .
وأما الجواب عما احتج به من إجماع الصحابة ، فهو أن يقال له : أقلت هذا نصا أو استدلالا ؟ ؟
فإن قال : نصا لم يجد إليه طريقا ، لأنه لم ينقل عن أحد منهم أنه قال لصاحبه : أقررتك على خلافك ، وأجزت لك أن تعمل به وسوغت للعامة أن يقلدوك .
وإن قال : استدلالا . طولب به .
فإن قال : لو كان المخالف مخطئا ، لقاتلوه قيل له : ليس في ذلك قتال ، لأن الخاطئ فيه معذور ، وله على قصد الصواب أجر ، [ ص: 122 ] وقد ورد الشرع ، بذلك كما ورد بالعفو عن الناسي ، فإذا كان كذلك لم يجز قتاله ولا تأثيمه .
فإن قال : لم ينقل أن بعضهم خطأ بعضا ، ولو كان أحد القولين خطأ والآخر صوابا لوجب أن يخطئ من أصاب الحق من لم يصبه ، فلما لم ينقل ذلك دل على أنه لم يخطئه .
فالجواب أنه قد نقل ذلك عن غير واحد منهم .