باب القول في الاحتجاج لصحيح القياس ولزوم العمل به
قال الله سبحانه : ( يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم ) فنص الله تعالى على وجوب الجزاء من النعم في المقتول من الصيد ، ولم ينص على ما يعتبر من المماثلة ، فكان ما نص عليه أنه من النعم لا اجتهاد فيه ، وكان المرجع في الوجه الذي به يعلم مماثلته فيه ، لا طريق له غير الاجتهاد والاعتبار .
وكذلك لما أمر برد شهادة الفاسق ، لم ينص على ما تعتبر به عدالته ، وليس أحد من المسلمين ينفك من الإتيان بشيء من الطاعات ، ولا يعتصم أحد من أن يمتحن ببعض المعاصي ، فلم يكن لمعرفتنا العدل من الفاسق طريق غير موازنة أحواله ، وترجيح بعضها على بعض ، فإن رجحت معاصيه صار بذلك فاسقا ، وإن رجحت طاعاته صار بذلك عدلا .
وفي معنى ما ذكرناه قول الله تعالى : ( ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين ) ، وقوله تعالى : ( فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون ) ، فجعل الحكم للأرجح من الطاعات أو المعاصي ، فكذلك معرفة العدالة والفسق .
[ ص: 468 ] وقال الله تعالى : ( ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء ) ، وقال : ( أيحسب الإنسان أن يترك سدى ) ، وقال : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) ، فلا يجوز بعد أن أخبر الله بكمال دينه أن يكون ناقصا .
وكذلك قوله : ( ما فرطنا في الكتاب من شيء ) ، ولا يجوز أن يكون بعده ما لا يوقف على حكمه ، والوقوف على الحكم بالاسم أو بالاستخراج لا ثالث لهما ، فإذا بطل أن يكون في الكتاب بيان كل شيء باسمه ، علم أنه أراد بيانه ببيان معناه ، تبيانا لكل شيء ) أراد به الأوامر والنواهي ، والحظر والإباحة ، وما كان من طريق الشرع مما بالأمة إليه الحاجة لا أنه أراد ذلك على الإطلاق ، إذ كان بيان ذلك من جهة الاسم متعذرا فعلم أنه أراد ذلك من جهة التشبيه ، وقال الله تعالى : ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ) . وقوله : (