الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر الكلام في القياس

اعلم أن القياس فعل القائس ، وهو : حمل فرع على أصل في بعض أحكامه ، لمعنى يجمع بينهما ، وقيل هو : الاجتهاد .

والأول : أجمع لحده ، لأن الاجتهاد هو بذل المجهود في طلب العلم ، فيدخل فيه حمل المطلق على المقيد ، وترتيب الخاص على العام ، وجميع الوجوه التي يطلب منها الحكم ، وليس شيء من ذلك بقياس .

والقياس : مثاله ، مثال الميزان أن يوزن به الشيء من الفروع ليعلم ما يوازنه من الأصول فيعلم أنه نظيره ، أو لا يوازنه ، فيعلم أنه مخالفه ، والاجتهاد أعم من القياس ، والقياس داخل فيه .

والقياس : حجة في إثبات الأحكام العقلية ، وطريق من طرقها مثل حدث العالم ، وإثبات الصانع والتوحيد وما أشبهه ، ومن الناس من أنكر ذلك ، والدليل على فساد قوله ، إثبات هذه الأحكام لا يخلو إما أن يكون بالضرورة ، أو بالاستدلال والقياس ، ولا يجوز أن يكون بالضرورة ، لأنه لو كان كذلك لم يختلف العقلاء فيها ، فثبت أن إثباتها بالقياس والاستدلال بالشاهد على الغائب .

وكذلك : هو حجة في الشرعيات ، وطريق لمعرفة الأحكام ، ودليل من أدلتها [ ص: 448 ] من جهة الشرع .

وذهب إبراهيم النظام والرافضة إلى أنه ليس بطريق للأحكام الشرعية ، ولا يجوز ورود التعبد به من جهة العقل .

وقال داود بن علي ، وأهل الظاهر : يجوز أن يرد التعبد به من جهة العقل ، إلا أن الشرع ورد بحظره والمنع منه .

فأما الدليل على جواز وورود التعبد به من جهة العقل فهو أنه إذا جاز الحكم في شيء بحكم لعلة منصوص عليها ، جاز أن يحكم فيه بعلة غير منصوص عليها ، وينصب عليها دليل يتوصل به إليها ، ألا ترى أنه لما جاز أن يؤمر من عاين الكعبة بالتوجه إليها في صلاته جاز أيضا أن يؤمر من غاب عنها أن يتوصل بالدليل إليها .

وأما داود ومن تابعه فقد احتجوا بأن الله تعالى حرم علينا القول بما لا نعلم ، فقال الله عز وجل : ( قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن ) إلى قوله : ( وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ) والعلم إنما يدرك بالكتاب والسنة ، وقال الله تعالى : ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ) معناه : فردوه إلى الكتاب والسنة ، وهذا يمنع من القياس .

قالوا : ولأن القصد بالقياس طلب الحكم فيما لا نص فيه ، ولا توقيف ، وليس عندنا حكم إلا وقد تناوله نص وتوقيف ، فلم يكن للقياس معنى مع أن الأحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد جاءت بالمنع منه ، والصحابة والتابعون قد أنكروه ، فدل على أن هذا إجماع منهم .

[ ص: 449 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية