( السادسة ) : قال علماؤنا ، وعلى التحقيق يتفاضل ثوابه ويتفاوت إعجازه ، كما في مختصر التحرير ، وغيره من كتب الأصول . قال وفي بعض آية من القرآن العظيم إعجاز - قدس الله روحه - : في بعض آية من القرآن إعجاز لقوله تعالى الإمام القاضي أبو يعلى بن الفراء فليأتوا بحديث مثله ، قال القاضي علاء الدين المرداوي في شرح التحرير : والظاهر أن القاضي أبا يعلى أراد ما فيه الإعجاز ، وإلا فلا يقول مثل قوله تعالى ثم نظر ونحوها أن في بعضها إعجازا وإلا فيها أيضا وهو واضح . وقال الإمام أبو الخطاب الكلوذاني أحد أعلام المذهب والحنفية : ولا إعجاز في بعض آية بل في آية .
وهذا ليس على إطلاقه فإن بعض الآيات الطوال فيها إعجاز كما أن الآية القصيرة كقوله تعالى ثم نظر لا يلزم أن يكون فيها إعجاز . وقال بعض المحققين : القرآن كله معجز لكن منه ما لو انفرد لكان معجزا بذاته ، ومنه ما إعجازه مع الانضمام ، فإن القرآن يتفاوت إعجازه ، ويتفاضل ثوابه ، فإن الفرق يظهر بين آية الكرسي وآية الدين ، وبين سورة الإخلاص ، وسورة تبت .
فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي أنزل عليه القرآن ، وهو أعلم بجمله وتفاصيله وبفضله وتفضيله : " " . ياسين قلب القرآن ، وفاتحة الكتاب أفضل سورة في القرآن ، وآية الكرسي أعظم آية في القرآن ، وقل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن
والأحاديث الواردة في فضائل القرآن وتخصيص بعض السور والآيات بالتفضيل وكثرة الثواب في تلاوتها كثيرة جدا .
وذهب الإمام [ ص: 181 ] ، أبو الحسن الأشعري وغيرهما ، إلى المنع ، ويروى هذا القول عن الإمام والقاضي الباقلاني مالك - رضي الله عنه - ولذلك كره أن تردد سورة دون غيرها ، قال بعض العلماء : والعجب ممن يذكر الخلاف في ذلك بعد ورود النصوص عن صاحب الشريعة بالتفضيل .
وقال العز بن عبد السلام : كلام الله في الله أي المتعلق بذاته وصفاته ، والثناء على نفسه ، ونحو ذلك ، أفضل من كلامه في غيره ، فقل هو الله أحد أفضل من تبت يدا أبي لهب .
وقال الحافظ جلال الدين السيوطي في كتابه - الإتقان في علوم القرآن - : اختلف القائلون بالتفضيل فقال بعضهم : التفضيل راجع إلى عظم الأجر ، ومضاعفة الثواب بحسب انفعالات النفس وخشيتها وتدبرها وتفكرها عند ورود أوصاف العلي الأعلى ، وقيل : بل يرجع لذات اللفظ ، وأن ما تضمنه قوله تعالى وإلهكم إله واحد الآية ، وآية الكرسي وآخر سورة الحشر ، وسورة الإخلاص من الدلالات على وحدانية الله تعالى وصفاته ليس موجودا مثلا في ( تبت يدا أبي لهب ) وما كان مثلها فالتفضيل إنما هو بالمعاني العجيبة وكرامتها ، وبالله التوفيق .