الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الفرقة الثانية الشيعة الشنيعة

وافترقت إلى اثنتين وعشرين فرقة ، وأصول ذلك كله ثلاث فرق غلاة وإمامية وزيدية ، أما الغلاة فافترقت ثمانية عشر فرقة ، يكفر بعضها بعضا ، ( أحدها ) السبئية وهم أتباع عبد الله بن سبأ الذي قال لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه : أنت الإله حقا ، فأحرق من أصحاب هذه المقالة من قدر عليه منهم ، فخد لهم أخاديد ، وأحرقهم بالنار ، وقال :


إني إذا سمعت قولا منكرا أججت نارا ودعوت قنبرا



قال شيخ الإسلام ابن تيمية - قدس الله روحه : وابن سبأ هذا أول من ابتدع الرفض ، قال : وكان منافقا زنديقا ، أراد فساد دين الإسلام كما فعل بولس صاحب الرسائل التي بأيدي النصارى ، حيث ابتدع لهم بدعا أفسد بها دينهم ، وكان يهوديا فأظهر النصرانية نفاقا لقصد إفساد ملتهم ، وكذلك كان ابن سبأ يهوديا ، فقصد ذلك وسعى في الفتنة فلم يتمكن ، لكن حصل [ ص: 81 ] بين المؤمنين تحريش وفتنة ، فقتل فيها عثمان بن عفان - رضي الله عنه ، وتبع ابن سبأ جماعات على بدعته وضلالته ، وقال هؤلاء : إن عليا - رضي الله عنه - لم يمت ، وإنما الذي قتله عبد الرحمن بن ملجم شيطان ، وأما علي ففي السحاب ، والرعد صوته والبرق سوطه ، وإنه ينزل إلى الأرض ويملؤها عدلا ، ويقولون عند الرعد : عليك السلام يا أمير المؤمنين .

( الثانية ) : الكاملية وهم أتباع أبي كامل ، قالوا بكفر الصحابة - رضي الله عنهم - بترك بيعة علي ، وبكفر علي - رضي الله عنه - بترك طلب حقه ، ويعتقدون التناسخ ، وأن الإمامة نور يتناسخ ، وقد يصير في شخص نبوة .

( الثالثة ) البيانية أتباع بيان بن سمعان التميمي ، قالوا : الله - تعالى - على صورة الإنسان ، ويهلك كله إلا وجهه ، وروح الله حل في علي ، ثم في ابنه محمد ابن الحنفية ، ثم في ابنه أبي هاشم ، ثم في بيان .

( الرابعة ) : المغيرية وهم أتباع المغيرة بن سعيد العجلي ، قالوا : الله - تعالى - جسم على صورة إنسان من نور ، وقلبه منبع الحكمة ، ولما أراد الخلق ، تكلم بالاسم الأعظم ، فطار فوقع تاج على رأسه ، ثم كتب على كفه أعمال العباد ، فغضب من المعاصي فعرق ، فحصل منه بحران : أحدهما ملح مظلم ، والآخر حلو نير ، ثم اطلع في البحر النير ، فأبصر ظله فانتزعه ، فجعل منه الشمس والقمر وأفنى الباقي ، ثم خلق الخلق من البحرين ، فالكفر من المظلم ، والإيمان من النير ، ثم أرسلمحمدا - صلى الله عليه وسلم - والناس في ضلال ، وعرض الأمانة وهي منع الإمامة على السماوات والأرض والجبال ، فأبين أن يحملنها ، وأشفقن منها وحملها الإنسان ، قالوا : وهو أبو بكر حملها بأمر عمر ، بشرط أن يجعل الخلافة بعده له ، قالوا : والإمام المنتظر زكريا بن محمد بن علي بن الحسين بن علي - رضي الله عنهم - وهو حي في جبل حاجر .

( الخامسة ) : الجناحية وهم المنسوبون إلى عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر ذي الجناحين ، قالوا : الأرواح تتناسخ ، فكان روح الله في آدم ، ثم في شيث ، ثم في الأنبياء والأئمة حتى انتهت إلى علي وأولاده الثلاثة ، ثم إلى [ ص: 82 ] عبد الله ، قالوا : وهو حي بجبل أصبهان ، وأنكروا القيامة واستحلوا المحرمات .

( السادسة ) : المنصورية وهم أتباع أبي منصور العجلي ، قالوا : الإمامة صارت لمحمد بن علي بن الحسين ، وعرج إلى السماء ، ومسح الله رأسه بيده ، وقال : يا بني ، اذهب وبلغ عني ، قالوا : والرسل لا تنقطع ، والجنة رجل أمرنا بموالاته وهو الإمام ، والنار رجل أمرنا بمعاداته ، وكذا الفرائض والمحرمات .

( السابعة ) : الخطابية وهم أتباع أبي الخطاب الأسدي ، قال : الأئمة أنبياء ، وادعى النبوة لنفسه ، وقال : الحسنان - رضي الله عنهما - ابنان لله ، وجعفر إله ، لكن أبو الخطاب أفضل منه ومن علي ، ويستحلون شهادة الزور لموافقيهم على مخالفيهم ، قالوا : والجنة نعيم الدنيا والنار آلامها ، واستباحوا المحرمات وتركوا الفرائض ، قالوا : ويمكن أن يوحى إلى كل مؤمن ، ومنهم من هو خير من جبريل وميكائيل ، وهم لا يموتون بل يرفعون إلى الملكوت .

( الثامنة ) : الذمية الذين ذموا النبي - صلى الله عليه وسلم - قالوا : لأن عليا إله ، بعثه ليدعو له فدعا إلى نفسه ، وقد قيل عند هؤلاء بآلهيتهما ، ولهم في التقديم خلاف ، وقيل عندهم هما وفاطمة والحسنان آلهة ، وهم يقولون فاطم ، ولا يقولون فاطمة تحاشيا عن التأنيث .

( التاسعة ) : الغرابية وهم الذين قالوا محمد أشبه بعلي من الغراب بالغراب ، فغلط جبرائيل من علي إلى محمد بالرسالة .

( العاشرة ) : الهشامية وهم أتباع هشام بن الحكم ، قالوا : إن الله - جل شأنه - طويل عريض ، عميق متساو كالسبيكة البيضاء ، يتلألأ من كل جانب ، وله لون وطعم ورائحة ، ويقوم ويقعد ، ويعلم ما تحت الثرى بشعاع ينفصل عنه إليه ، وهو سبعة أشبار بأشبار نفسه ، مماس للعرش بلا تفاوت ، وإرادته هي حركة لا عينه ولا غيره ، وإنما يعلم الأشياء بعد كونها بعلم لا قديم ولا حادث ، وكلامه صفة لا مخلوق ولا قديم ، والأعراض لا تدل على الباري ، والأئمة دون الأنبياء .

( الحادية عشر ) : الزرارية وهم أتباع زرارة بن أعين ، قالوا : صفات الله حادثة ، ولا حياة قبل الصفات ، ولهم أقوال خبيثة جدا .

[ ص: 83 ] ( الثانية عشرة ) : اليونسية وهم أتباع يونس بن عبد الرحمن القمي ، قال الصلاح الصفدي في الوافي بالوفيات : كان يونس على مذهب القطعية في الإمامة ، ثم إنه أفرط في التشبيه ، فقال : إن الله - تعالى - يحمله حملة عرشه ، وهو أقوى منهم كما أن الطائر المعروف بالكركي تحمله رجلاه ، وهو أقوى من رجليه . واستدل بقوله - تعالى : ( ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية ) ، وهذا الاستدلال خطأ منه ، فإن الآية مصرحة بأن العرش هو المحمول .

( الثالثة عشرة ) : النعمانية وهم أتباع محمد بن النعمان ، قال : إن الله - تعالى - نور غير جسماني على صورة إنسان ، وإنما يعلم الأشياء بعد حدوثها .

( الرابعة عشرة ) : الرزامية ، قالوا : الإمامة لمحمد بن الحنفية ، ثم لابنه عبد الله ، ثم لمحمد بن علي بن عبد الله بن عباس ، ثم لأولاده إلى المنصور ، ثم حل الإله في أبي مسلم ، وأنه لم يقتل ، واستحلوا المحارم .

( الخامسة عشرة ) : المفوضة ، قالوا : الله - تعالى - فوض خلق العالم إلى محمد - صلى الله عليه وسلم .

( السادسة عشرة ) : البدائية ، جوزوا البداء على الله .

( السابعة عشرة ) : النصيرية ، قالوا : إن الله - تعالى - حل في علي - رضي الله عنه .

( الثامنة عشرة ) : الإسماعيلية ويلقبون بالباطنية ; لقولهم بباطن الكتاب ، وأصل دعوتهم مبنية على إبطال الشرائع وانتقاص الدين ، فإن قوما من المجوس راموا عند ظهور الفتن ، واختلاف الكلمة ، وتباين الدول ، كسر شوكة الإسلام ، وانتقاض عرى الدين ، ولم يمكنهم التصريح بذلك ، ولا إعلان ما قصدوه من الإفك والمهالك ، فأخذوا في تأويل الشريعة على وجه يعود إلى قواعد أسلافهم ، ورأسهم في ذلك ( حمدان قرمط ) ، ومنهم بل صاحب إظهار دعوتهم ( أبو سعيد الجنابي ) ، فظهر على البحرين ، واجتمع عليه جماعة من الأعراب والقرامطة ، فقوي أمره ، وقتل من حوله من أهل تلك القرى ، ثم قتل أبو سعيد سنة إحدى وثلاثمائة ، قتله خادم له في الحمام ، وقام مقامه ولده أبو طاهر سليمان بن أبي سعيد الحسن بن بهرام القرمطي ، وكان قد استولى على هجر القطيف والإحساء وسائر بلاد البحرين ، فلما كان عام سبع عشرة وثلاثمائة وافى حجاج المسلمين أبو طاهر القرمطي بمكة [ ص: 84 ] يوم التروية فنهب أموال الحاج ، وقتلوهم حتى في المسجد الحرام ، وفي البيت الحرام ، وقلع الحجر الأسود ، وأنفذه إلى هجر ، وطرح القتلى في زمزم ، وقلع باب الكعبة .

والقرمط بكسر القاف وسكون الراء وكسر الميم وبعدها طاء مهملة ، وكان أبو سعيد المذكور قصيرا مجتمع الخلق ، أسمر كريه المنظر ، فلذلك قيل له قرمطي ، والجنابي بفتح الجيم وتشديد النون وبعد الألف موحدة نسبة إلى جنابة ، وهي بلدة من أعمال فارس ، متصلة بالبحرين عند سيراف ، والقرامطة منها ، فنسبوا إليها ، ولهم في دعوتهم مراتب ( الزرق ) ، وهو التفرس في حال المدعو ، هل هو قابل أم لا ؟ ولذلك منعوا إلقاء البذر في السبخة ، والتكلم في بيت فيه سراج أي فقيه ، ثم ( التأنيس ) باستمالة كل واحد بما يميل إليه من زهد وخلاعة ، ثم ( التشكيك ) في أركان الشريعة بمقطعات السور ، وقضاء صوم الحائض دون صلاتها ، والغسل من المني دون البول ; لتتعلق القلوب بمراجعتهم فيها ، ثم ( الربط ) وهو أخذ الميثاق منه بحسب اعتقاده أن لا يفشي عنهم شيئا ، وحوالته على الإمام في كل ما أشكل عليه ، ثم ( التدليس ) وهو دعوى موافقة أكابر الدين لهم حتى يزداد ميلهم ، ثم ( التأسيس ) وهو تمهيد مقدمات يقبلها المدعو ، ثم ( الخلع ) وهو الطمأنينة إلى إسقاط وجوب الأفعال البدنية ، ثم ( السلخ ) عن الاعتقادات ، وحينئذ يأخذون في الإباحة واستعجال اللذات وتأويل الشريعة .

قال شيخ الإسلام أبو العباس تقي الدين ابن تيمية - روح الله روحه : ذكر الكاشفون لأسرار القرامطة ، والهاتكون لأستارهم كالقاضي أبي بكر بن الطيب ، والقاضي أبي يعلى ، وطوائف كثيرة ، ما وجدنا مصداقه في كتب القرامطة ، أنهم وضعوا لأنفسهم اصطلاحات ، روجوها على المسلمين ، ومقصودهم بها مقصود الفلاسفة الصابئين والمجوس الثنوية ، كقولهم : السابق والتالي ، يعنون به العقل والنفس ، ويقولون هو اللوح والقلم ، قال : وأصل دينهم مأخوذ من دين المجوس والصابئين ، ومن مذهبهم أن الله - تعالى - لا موجود ولا معدوم ، وربما خلطوا كلامهم بكلام الفلاسفة ، وقد دخل كثير من هذه القرمطة في كلام كثير من المتصوفة [ ص: 85 ] كما دخل في كثير من المتكلمة .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وكتاب رسائل إخوان الصفا أصل مذهب القرامطة الفلاسفة ، فربما نسبوا هذا الكتاب بالافتراء إلى جعفر الصادق ; ليجعلوه ميراثا عن أهل البيت . قال : وهذا من أقبح الكذب وأوضحه ، فإنه لا نزاع بين العقلاء أن رسائل إخوان الصفا إنما صنفت بعد المائة الثالثة في دولة بني بويه ، قريبا من بناء القاهرة المعزية . ودولة العبيدية الحاكمية المنتسبين لأهل البيت الملقبين بالفاطمية من هذا النمط ، فإن ظاهر مذهبهم الرفض ، وباطنه الكفر المحض ، ومن فرقهم الدروز والتيامنة والحمزاوية وأضرابهم ، وهؤلاء من أكفر الناس ، وبالله التوفيق .

( وأما الزيدية ) : فهم ينتسبون للسيد الشريف زيد بن علي زين العابدين بن الحسين شهيد كربلا ، ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضوان الله عليهما ، وكان زيد إماما عالما شجاعا مقداما ، وكان قد بايعه جموع من الشيعة ، ثم قالوا له : تبرأ من الشيخين - يعنون أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما ، فقال : معاذ الله ، وزيرا جدي ، فتركوه ورفضوه ، وأرفضوا عنه ، فسموا الرافضة ، والنسبة رافضي ، ثم انقسموا ثلاث فرق :

( الأولى ) : الجارودية أصحاب أبي الجارود ، قالوا بالنص على علي - رضي الله عنه ، والصحابة كفروا بمخالفته ، والخلافة بعد الحسن والحسين شورى في أولادهما ، فمن خرج منهم بالسيف وهو عالم شجاع فهو إمام ، واختلفوا في المنتظر ، أهو محمد بن عبد الله ولم يقتل ، أو محمد بن القاسم ، أو يحيى بن عمر صاحب الكوفة ؟

( الثانية ) : السليمانية شيعة سليمان بن جرير ، قالوا : الإمامة شورى ، وإنما تنعقد برجلين من خيار المسلمين ، وأبو بكر وعمر إمامان وإن أخطأت الأمة في البيعة لهما ، وكفروا عثمان وطلحة والزبير وعائشة .

( الثالثة ) : البترية أصحاب بتر التوصي ، قالوا بنحو قول من قبلهم ، إلا أنهم توقفوا في كفر عثمان - رضي الله عنه .

( وأما الإمامية ) ، فقالوا باتباع الاثني عشر إماما ، وهم : علي ، والحسن والحسين ، وزين العابدين علي بن الحسين ، والباقر محمد بن علي زين العابدين ، وجعفر [ ص: 86 ] الصادق بن محمد الباقر ، وموسى الكاظم بن جعفر الصادق ، وعلي الرضا بن موسى الكاظم ، ومحمد الجواد بن علي الرضا ، وعلي الهادي بن محمد الجواد ، وحسن العسكري بن علي الهادي ، ومحمد بن حسن الحجة ، فالإمامية هم القائلون بزعمهم بقول هؤلاء الأئمة الأبرار - رضوان الله عليهم وسلامه ما تعاقب الليل والنهار ، فقالت الإمامية بالنص الجلي على إمامة أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه - وكفروا الصحابة بمخالفته ، وساقوا الإمامة إلى جعفر الصادق ، ثم اختلفوا في المنصوص عليه بعده ، وتشعب متأخرو الإمامية إلى معتزلة ومشبهة ومفضلة ، والله - تعالى - أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية