الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الفرقة الثالثة الخوارج

وهم الذين خرجوا على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وفارقوه بسبب التحكيم ، وكانوا اثني عشر ألفا ، فأرسل إليهم ابن عباس - رضي الله عنهما - فجادلهم ووعظهم ، فرجع بعضهم وأصر على المخالفة آخرون ، وقالت فرقة : ننظر ما يصدر من علي من أمر التحكيم ، فإن أنفذه أقمنا على مخالفته ، ثم إنهم أعلنوا الفرقة ، وأخذوا في نهب من لم ير رأيهم ، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين ، يقتلها أولى الطائفتين بالحق " . فقتلهم علي وطائفته ، وقال - صلى الله عليه وسلم - في حق الخوارج المارقين : " يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم ، وصيامه مع صيامهم ، وقراءته مع قراءتهم ، يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ، أينما لقيتموهم فاقتلوهم ، فإن في قتلهم أجرا عند الله - تعالى - لمن قتلهم يوم القيامة " . وقد روى مسلم أحاديثهم في صحيحه من عشرة أوجه . واتفق الصحابة على قتالهم ، وفرح علي - رضي الله عنه - بقتلهم ، وأخبر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر به ، ولما قيل لعلي : الحمد لله الذي أراح منهم العباد ، قال : كلا والذي نفسي بيده ، إن منهم لفي أصلاب الرجال ، وإن منهم لمن يكون مع الدجال . ثم إنهم تشعبوا إلى سبع فرق .

[ ص: 87 ] ( الأولى ) : المحكمة الذين خرجوا على أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه - عند التحكيم وكفروه ، وهم اثنا عشر ألفا ، قالوا : من نصب من قريش وغيرهم وعدل فهو إمام ، ولم يوجبوا نصب الإمام ، وكفروا عثمان وأكثر الصحابة ، وكل مرتكب للكبيرة .

( الثانية ) : البيهسية أتباع بيهس ، واسمه الهيصم بن جابر كما في القاموس ، قالوا : الإيمان هو العلم بالله - تعالى - وما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم ، فمن وقع فيما لا يعرف ، أحلال هو أم حرام ، فهو كافر لوجوب الفحص عنه ، وقيل : لا ، حتى يرجع إلى الإمام فيحده ، وما لا حد فيه فمغفور ، وقيل : إذا كفر الإمام ، كفرت الرعية حاضرا كان أو غائبا ، والأطفال كآبائهم إيمانا وكفرا .

( الثالثة ) : الأزارقة أتباع نافع بن عبد الله الأزرق الخارجي اللعين ، وقد خرج معه قوم من البصرة والأهواز وغيرهما من بلدان فارس وغيرها ، وعظمت شوكتهم وتملكوا الأمصار ، وكانت له آراء ومذاهب دانوا بها معه ، منها أنه كفر عليا - رضي الله عنه - بسبب التحكيم ، وزعم أن قوله - تعالى : ( ومن الناس من يعجبك قوله ) الآية ، نزل في حقه ، وزعم أنه نزل في حق عبد الرحمن بن ملجم - لعنه الله ، ( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله ) ، ومنها أنه كفر من لم يقل برأيه ، واستحل دمه ، وكفر القعدة عن القتال ، وتبرأ ممن قعد عنه ، وأن من ارتكب كبيرة ، خرج من الإسلام وكان مخلدا في النار مع سائر الكفار ، وحرم التقية ، وجوز قتل أولاد المخالفين له ونساءهم ، وقال : لا حد للقذف ولا للزنا .

( الرابعة ) : النجدية أتباع نجدة بن عامر الحنفي ، قالوا : لا حاجة إلى الإمام ، ويجوز نصبه ، ووافقوا الأزارقة في التكفير .

( الخامسة ) : الأصفرية وهم أتباع زياد بن الأصفر ، خالفوا الأزارقة في تكفير القعدة ، وفي منع الحد على الزنا ، وفي أطفال الكفار ، وقالوا : المعصية الموجبة للحد لا يدعى صاحبها إلا بها ، وما لا حد فيه لعظمه كترك الصوم كفر ، ويزوجون المؤمنة من الكافر في دار التقية دون العلانية .

[ ص: 88 ] ( السادسة ) : الإباضية أتباع عبد الله بن إباض ، قالوا : مخالفونا كفار غير مشركين ، تجوز مناكحتهم ، وتقبل شهادة مخالفيهم عليهم ، ومرتكب الكبيرة موحد غير مؤمن ، والاستطاعة قبل الفعل ، ومخلوق العبد مخلوق لله ، ومرتكب الكبيرة كافر كفر نعمة لا كفر ملة ، وتوقفوا في أولاد الكفار وفي النفاق ، أهو شرك أم لا ؟ وجواز بعثة الرسل بلا دليل وتكليف اتباعه ، وكفروا عليا وأكثر الصحابة - رضي الله عنهم . وافترقوا أربع فرق :

( الأولى ) : الحفصية أتباع أبي حفص بن أبي المقدام ، زادوا أن بين الإيمان والشرك معرفة الله ، فمن كفر بأمر سوى الشرك أو بارتكاب كبيرة ، فكافر لا مشرك .

( الثانية ) : اليزيدية ، قالوا : سيبعث نبي من العجم بكتاب ، يكتب من السماء ، ويترك شريعة محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى ملة الصابئة ، وكل ذنب شرك .

( الثالثة ) : الحارثية أتباع أبي الحارث الإباضي ، خالفوا في العذر والاستطاعة قبل الفعل .

( الرابعة ) : القائلون بطاعة لا يراد بها الله .

( السابعة ) : العجاردة أتباع عبد الرحمن بن عجرد ، زادوا على النجدية وجوب دعوة الطفل إلى الإسلام إذا بلغ ، وأطفال المشركين في النار ، ويتشعب من مذهبهم إحدى عشرة فرقة :

( الأولى ) : الميمونية أصحاب ميمون بن عمران ، قالوا بالقدر ، والاستطاعة قبل الفعل ، والله يريد الخير دون الشر ولا يريد المعاصي ، وأطفال الكفار في الجنة ، ولهم اعتقادات سيئة .

( الثانية ) : الحمزية أتباع حمزة بن أدرك ، وافقوهم إلا أنهم قالوا : أطفال الكفار في النار .

( الثالثة ) : الشعيبية أشياع شعيب بن محمد ، هم كالميمونية إلا في القدر .

( الرابعة ) : الحازمية ، وهم أصحاب حازم بن عاصم .

( والخلفية ) أصحاب خلف ، ( والأطرافية ) عذروا أهل الأطراف فيما لم يعرفوه ، ووافقوا أهل السنة في أصولهم ، ونفوا القدر .

( الخامسة ) : المعلومية كالحازمية ، إلا أن المؤمن عندهم من عرف الله بجميع أسمائه ، وفعل العبد مخلوق لله .

( السادسة ) : المجهولية ، قالوا : تكفي معرفة الله ببعض أسمائه ، وفعل العبد له .

( السابعة ) : الصلتية وهم أصحاب عثمان بن أبي الصلت ، هم كالعجاردة ، لكن قالوا : من أسلم واستجار بنا ، توليناه وبرئنا من أطفاله .

( الثامنة ) : التغالبة أصحاب تغلب بن عامر ، قالوا بولاية الأطفال ، ونقل عنهم أن الأطفال لا حكم [ ص: 89 ] لهم ، ويرون أخذ الزكاة من العبيد إذا استغنوا ، وإعطاءها إلى العبيد إذا افتقروا ، ثم افترقوا أربع فرق : ( أحدها ) : الأخنسية أصحاب الأخنس بن فليس ، وهم كالتغالبة ، إلا أنهم توقفوا في أهل دار التقية ، إلا من علم حاله ، وحرموا الاغتيال بالقتل والسرقة ، ونقل عنهم تزويج المسلمات من مشركي قومهم ، ( والمعبدية ) أصحاب معبد بن عبد الرحمن ، خالفوهم في التزويج من المشركين ، وخالفوا التغالبة في زكاة العبد ، ( والشيبانية ) أصحاب شيبان بن سلمة ، قالوا بالجبر ونفي القدرة ، ( والمكرمية ) أصحاب مكرم العجلي ، قالوا : تارك الصلاة كافر لجهله بالله ، وكذا كل كبيرة كفر . فإذن فرق الخوارج عشرون ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية