قال شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه الإمام المحقق ابن القيم في كتابه الجيوش الإسلامية : هذا كتاب الله . وذكر مثل ما ذكرنا وقال ابن القيم في قوله تعالى الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم تأمل ما في هذه الآيات من الرد على طوائف المعطلين والمشركين ، فقوله خلق السماوات والأرض في ستة أيام يتضمن وأنه لم يزل ، وأن الله تعالى لم يخلقه بقدرته ومشيئته ، بل من أثبت منهم وجود الرب جعله لازما لذاته أزلا أبدا كما يقول إبطال قول الملاحدة القائلين بقدم العالم ، ابن سينا والنصير الطوسي ، وأتباعهما من الملاحدة الجاحدين لما اتفقت عليه الرسل والكتب وشهدت به العقول والفطر .
وقوله : ثم استوى على العرش : يتضمن الجهمية الذين يقولون ليس على العرش سوى العدم ، وأن الله ليس مستويا على عرشه ، ولا ترفع إليه الأيدي ، ولا يصعد إليه الكلم الطيب ، ولا رفع المسيح إليه ، ولا عرج برسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - إليه ، ولا تعرج الملائكة والروح إليه ، ولا ينزل من عنده إبطال قول المعطلة جبريل بوحيه لمن يوحي إليه - إلخ كلامه رحمه الله تعالى .
وقال تعالى هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات وقوله إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش [ ص: 191 ] يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه الآية . وقوله تنزيلا ممن خلق الأرض والسماوات العلى الرحمن على العرش استوى وقوله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيرا وقوله هو الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير ، فذكر عموم علمه وعموم قدرته وعموم إحاطته وعموم رؤيته ، وقال تعالى حاكيا عن فرعون ياهامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا قال في الجيوش قال وقد احتج بهذه الآية على أبو الحسن الأشعري الجهمية فأكذب فرعون موسى - عليه السلام - في قوله إن الله فوق السماوات .
وأما الأحاديث فمنها قصة المعراج فهي متواترة وتجاوز النبي - صلى الله عليه وسلم - السماوات سماء سماء حتى انتهى إلى ربه تعالى فقربه وأدناه ، وفرض عليه خمسين صلاة ، فلم يزل يتردد بين موسى - عليه السلام - وبين الله تعالى ينزل من عند ربه إلى موسى ، فيسأله كم فرض ربك عليك فيخبره ، فيقول ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف ( عن أمتك فيرجع إلى ربه فيسأله التخفيف ) .
وفي الصحيحين من حديث - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أبي هريرة " وفي لفظ " لما خلق الله الخلق كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش أن رحمتي تغلب غضبي " وكل هذه الألفاظ في صحيح البخاري . فهو مكتوب عنده فوق العرش
وفي صحيح مسلم من حديث - رضي الله عنه - قال : قام فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخمس كلمات ، فقال " أبي موسى الأشعري " . إن الله لا ينام ، ولا ينبغي له أن ينام ، يخفض القسط ويرفعه ، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار ، وعمل النهار قبل عمل الليل ، حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه
وذكر الإمام في كتاب التوحيد من صحيحه [ ص: 192 ] حديث البخاري - رضي الله عنه - عن حديث الإسراء وفيه " أنس بن مالك جبريل - فوق ذلك ما لا يعلمه إلا الله ، حتى جاوز سدرة المنتهى ، ودنا من الجبار رب العزة فتدلى حتى كان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إليه ما أوحى خمسين صلاة كل يوم وليلة ثم هبط حتى بلغ موسى فاحتبسه موسى ، فقال : يا محمد ، ماذا عهد إليك ربك ، قال : عهد إلي خمسين صلاة كل يوم وليلة ، قال : إن أمتك لا تستطيع ، فارجع فليخفف عنك ربك وعنهم ، فالتفت النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى جبريل كأنه يستشيره في ذلك ، فأشار إليه جبريل أن نعم إن شئت ، فعلا به إلى الجبار تبارك وتعالى " الحديث ثم علا به - يعني
وقال - صلى الله عليه وسلم - في حكومة في سعد بن معاذ بني قريظة " لقد حكمت فيهم بحكم الملك من فوق سبعة أرقعة - وفي لفظ - من فوق سبع سماوات " وأصل القصة في الصحيحين .
وفي صحيح مسلم من معاوية بن الحكم السلمي - رضي الله عنه - قال : لطمت جارية لي ، فأخبرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعظم ذلك علي فقلت يا رسول الله ! أفلا أعتقها : قال : بلى ائتني بها ، قال : فجئت بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لها أين الله ؟ فقالت في السماء : قال فمن أنا ، قالت أنت رسول الله ، قال إنها مؤمنة ، وفي لفظ قال : " حديث " أعتقها فإنها مؤمنة
قال الإمام الحافظ شمس الدين الذهبي في كتابه ( العرش ) : رواه مسلم وأبو داود ، وغير واحد من الأئمة في تصانيفهم يدونونه كما جاء . وقال في أول الحديث : من الأحاديث المتواترة الواردة في العلو . والنسائي
وفي صحيح عن البخاري - رضي الله عنه - قال : كانت أنس بن مالك زينب تفتخر على أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - وتقول : زوجكن أهاليكن وزوجني الله من فوق سبع سماوات . وقال - صلى الله عليه وسلم - في حديث الأوعال " " رواه الإمام والعرش فوق ذلك والله فوق العرش هو يعلم ما أنتم عليه أحمد في المسند ، في كتاب التوحيد . وابن خزيمة
وقول الذي أنشده النبي - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن رواحة
شهدت بأن وعد الله حق ، وأن النار مثوى الكافرينا وأن العرش فوق الماء طاف
وفوق العرش رب العالمينا
وقول أمية بن أبي الصلت الثقفي الذي أنشد للنبي - صلى الله عليه وسلم - : [ ص: 193 ] فاستحسنه ، وقال : آمن شعره ، وكفر قلبه :
مجدوا الله فهو للمجد أهل ربنا في السماء أمسى كبيرا
بالبناء الأعلى الذي سبق الخلـ ـق وسوى فوق السماء سريرا
شرجعا ما يناله نظر العي ن يرى دونه الملائك صورا
وقد جاء في الكتاب والسنة من ذلك ما يتعذر أو يتعسر إحصاؤه ، فتارة يخبر أنه خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش كما مر ، وقد ذكر الله استواءه على العرش في سبعة مواضع من كتابه ، وتارة يخبر بعروج الأشياء وصعودها وارتفاعها إليه ، وتارة يخبر بنزولها من عنده ، وتارة يخبر بأنه العلي الأعلى كقوله ( سبح اسم ربك الأعلى ) وقوله ( وهو العلي العظيم ) .
وتارة يخبر بأنه في السماء ، وتارة يجعل بعض الخلق عنده دون بعض كقوله تعالى له من في السماوات ومن في الأرض ومن عنده إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : فلو كان موجب العندية معنى عاما لدخولهم تحت قدرته ومشيئته ، وأمثال ذلك لكان كل مخلوق عنده ، ولم يكن أحد مستكبرا عن عبادته بل مسبحا له ساجدا مع أنه تعالى قال : إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين وهو سبحانه وصف الملائكة بذلك ردا على الكفار المستكبرين عن عبادته .
قال شيخ الإسلام : وأما الأحاديث والآثار عن الصحابة والتابعين فلا يحصيها إلا الله . قال : فلا يخلو إما أن يكون ما اشتركت فيه هذه النصوص من إثبات علو الله تعالى على خلقه واستوائه على عرشه هو الحق أو الحق نقيضه إذ الحق لا يخرج عن النقيضين ، وإما أن يكون هو جل شأنه نفسه فوق الخلق أو لا يكون فوق الخلق كما يقول الجهمية الذين يقولون هو سبحانه لا فوقهم ، ولا فيهم ، ولا داخل العالم ، ولا خارجه ، ولا مباين ولا محايث
وتارة يقولون هو بذاته في كل مكان ، وفي كلا المقالتين يدفعون أن يكون هو نفسه فوق ، فأما أن يكون الحق إثبات ذلك أو نفيه ، فإن كان نفي ذلك هو الحق فمعلوم أن القرآن لم يبين هذا قط لا نصا ، ولا ظاهرا ، ولا الرسول ، ولا أحد من الصحابة والتابعين ، وأئمة المسلمين لا أئمة المذاهب الأربعة ولا غيرهم [ ص: 194 ] ولا يمكن أحدا أن ينقل عن واحد من هؤلاء أنه نفى ذلك أو أخبر به
وأما نقل الإثبات عن هؤلاء فأكثر من أن يحصى ، فإن كان الحق هو النفي دون الإثبات ، والكتاب والسنة والإجماع إنما دل على الإثبات ولم يذكر النفي أصلا ، لزم أن يكون الرسول والمؤمنون لم ينطقوا بالحق في هذا الباب ، بل نطقوا بما يدل إما نصا وإما ظاهرا على الضلال والخطأ المناقض للهدى والصواب ، ومعلوم أن من اعتقد هذا في الرسول والمؤمنين فله أوفر حظ من قوله تعالى : ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا ، فإن القائل إذا قال : هذه النصوص أريد بها خلاف ما يفهم منها أو خلاف ما دلت عليه أو أنه لم يرد إثبات علو الله نفسه على خلقه وإنما أريد به علو المكانة ، ونحو ذلك
فيقال له فكان يجب أن يبين للناس الحق الذي يجب التصديق به باطنا وظاهرا ، بل ويبين لهم ما يدلهم على أن هذا الكلام لم يرد به مفهومه ومقتضاه ، فإنه غاية ما يقدر أنه تكلم بالمجاز المخالف للحقيقة ، والباطن المخالف للظاهر ، ومعلوم باتفاق العقلاء أن المخاطب المبين إذا تكلم بمجاز فلا بد أن يقرن بخطابه ما يدل على إرادة المعنى المجازي ، فإذا كان الرسول المبلغ المبين الذي بين للناس ما أنزل إليهم - علم أن المراد بالكلام خلاف مفهومه ومقتضاه كان عليه أن يقرن بخطابه ما يصرف القلوب عن فهم المعنى الذي لم يرد ، ولا سيما إذا كان باطلا لا يجوز اعتقاده في الله .
فإنه عليه أن ينهاهم عن أن يعتقدوا في الله ما لا يجوز اعتقاده إذا كان ذلك مخوفا عليهم ، ولو لم يخاطبهم بما يدل على ذلك ، فكيف إذا كان خطابه هو الذي يدلهم على ذلك الاعتقاد الذي يقول النفاة أنه اعتقاد باطل ، فإذا لم يكن في الكتاب ولا السنة ولا كلام أحد من السلف والأئمة ما يوافق قول النفاة أصلا ، بل هم دائما لا يتكلمون إلا بالإثبات امتنع حينئذ أن لا يكون مرادهم الإثبات ، وأن يكون النفي هو الذي يعتقدونه ويعتمدونه ، وهم لم يتكلموا به قط ، ولم يظهروه ، وإنما أظهروا ما يخالفه وينافيه .
وهذا كلام متين لا مخلص لأحد عنه ، قال شيخ الإسلام - روح الله روحه - : لكن للجهمية المتكلمة هنا كلام وللجهمية المتفلسفة كلام
أما المتفلسفة والقرامطة [ ص: 195 ] فيقولون إن الرسل كلموا الخلق بخلاف ما هو الحق وأظهروا لهم خلاف ما يبطنون ، وربما يقولون إنهم كذبوا لأجل مصلحة العامة ، فإن مصلحة العامة لا تقوم إلا بإظهار الإثبات ، وإن كان في نفس الأمر باطلا .
هذا مع ما فيه من الزندقة البينة والكفر الواضح قول متناقض في نفسه ، فإنه يقول لو كان الأمر كما تقولون ، والرسل من جنس رؤسائكم لكان خواص الرسل يطلعون على ذلك ولكانوا يطلعون خواصهم على هذا الأمر ، فكان يكون النفي مذهب خاصة الأمة وأكملها عقلا وعلما ومعرفة ، والأمر بالعكس فإن من تأمل كلام السلف والأئمة وجد أعلم الأمة عند الأمة كأبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، ، وابن مسعود ، ومعاذ بن جبل ، وعبد الله بن سلام ، وسلمان الفارسي ، وأبي بن كعب ، وأبي الدرداء ، وعبد الله بن عباس ، وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو ، وأمثالهم من الصحابة - رضي الله عنهم أجمعين - هم أعظم الخلق إثباتا .
وكذلك أفاضل التابعين مثل ، سعيد بن المسيب ، والحسن البصري وعلي بن الحسين ، وأصحاب ابن مسعود ، وأصحاب ابن عباس ، وهم من أجل التابعين وأمثالهم ، بل المنقول عن هؤلاء في الإثبات يجبن عن إظهاره كثير من الناس ، وعلى ذلك تأول ، وصاحبه شيخ الإسلام يحيى بن عمار ما يروى أن من العلم كهيئة المكنون لا يعرفه إلا أهل العلم بالله فإذا ذكروه لم ينكره إلا أهل الغرة بالله ، تأولوا ذلك على ما جاء من الإثبات لأن ذلك ثابت عن الرسول والسابقين والتابعين لهم بإحسان بخلاف النفي فإنه لا يوجد عنهم ولا يمكن حمله عليه أبو إسماعيل الأنصاري
وقد جمع علماء الحديث من المنقول عن السلف في الإثبات ما لا يحصي عدده إلا رب السماوات ، ولم يقدر أحد أن يأتي عنهم في النفي بحرف واحد إلا أن يكون من الأكاذيب المختلفة التي ينقلها من هو أبعد الناس عن معرفة كلامهم
[ قلت ] وقد أكثر العلماء من التصنيف ، وأجلبوا بخيلهم ورجلهم من التأليف ، في ثبوت العلو والاستواء ونبهوا على ذلك بالآيات والحديث وما حوى ، فمنهم الراوي الأخبار بالأسانيد ، ومنهم الحاذف لها ، وأتى بكل مفيد ، ومنهم المطول المسهب ، ومنهم المختصر والمتوسط والمهذب ، فمن ذلك مسألة العلو لشيخ الإسلام ابن تيمية والعلو للإمام [ ص: 196 ] الموفق صاحب التصانيف السنية ، والجيوش الإسلامية للإمام المحقق ابن القيم الجوزية ، وكتاب العرش للحافظ شمس الدين الذهبي صاحب الأنفاس العلية ، وما لا أحصي عدهم إلا بكلفة ، والله تعالى الموفق .
قال العلامة الشيخ مرعي الكرمي الحنبلي في كتابه ( أقاويل الثقات في تأويل الأسماء والصفات ) ومما احتج به أهل الإثبات بأنه الذي طبع الله عليه أهل الفطرة العقلية السلمية من الأولين والآخرين الذين يقولون أنه فوق العالم ، إذ العلم بذلك فطري عقلي وضروري ، لا يتوقف على سمع ، قالوا : ولم يقل قائل يا الله ، إلا وجد من قلبه ضرورة يطلب العلو بحيث لا يمكن رفع هذه الضرورة عن القلوب ولا يلتفت الداعي يمنة ولا يسرة .
وأما العلم بأنه تعالى استوى على العرش بعد خلقه السماوات والأرض في ستة أيام فهذا سمعي علم بالوحي على الأنبياء ، فأخبروا - عليهم الصلاة والسلام - أممهم بذلك .
قال سيدنا الشيخ الكبير ( ) الحنبلي - قدس الله سره - في كتاب ( الغنية في الفقه ) قال : وهو تعالى بجهة العلو مستو على العرش ، محتو على الملك ، محيط علمه بالأشياء " الشيخ عبد القادر الجيلي إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه - يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه " الآية ، ولا يجوز وصفه بأنه في كل مكان بل يقال إنه في السماء على العرش استوى على العرش ، كما قال الله تعالى : الرحمن على العرش استوى .
ثم قال : وينبغي إطلاق صفة الاستواء من غير تأويل وإنه استواء الذات على العرش ، ثم قال : وكونه ( مستويا ) على العرش مذكور في كل كتاب أنزل على كل نبي أرسل بلا كيف . وهذا النص كلامه قدس الله سره في الغنية .
وقال الإمام القرطبي في تفسيره في سورة الأعراف : وقد كان السلف الأول - رضي الله عنهم - لا يقولون بنفي الجهة ، ولا ينطقون بذلك ، بل نطقوا هم والكافة بإثباتها لله تعالى كما نطق كتابه ، وأخبرت رسله ، قال : ولم ينكر أحد من السلف الصالح أنه تعالى استولى على العرش حقيقة . انتهى .
وقال أبو نعيم الحافظ في كتابه ( محجة الواثقين ) وأجمعوا أن الله فوق سماواته [ ص: 197 ] وأنه عال على عرشه ، مستو عليه ، لا مستول كما تقول الجهمية .
وقال ابن رشد المالكي في كتابه المسمى بالكشف : وأما هذه الصفة - يعني القول بالجهة - فلم تزل أهل الشريعة يثبتونها حتى نفتها المعتزلة ، ومتأخرو الأشاعرة كأبي المعالي ، ومن اقتدى بقولهم . ثم قال : وقد ظهر أن إثبات الجهة واجب شرعا وعقلا - إلخ كلامه .
وقيل : كيف نعرف ربنا ؟ قال : بأنه فوق السماء السابعة على العرش بائن من خلقه . على أن نفس للإمام عبد الله بن المبارك في كتابه ( الإبانة ) قال : إن الله مستو على عرشه كما قال الإمام أبي الحسن الأشعري الرحمن على العرش استوى ، وقال : ( إليه يصعد الكلم الطيب ) ، وقال : ( لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لأظنه من الكاذبين ) كذب موسى في قوله إن الله فوق السماوات . وقال : ( أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض ) فالسماوات فوقها العرش فلما كان العرش فوق السماوات ، وكان كل ما علا فهو سماء قال ( ( أأمنتم من في السماء ) وإنما أراد العرش الذي هو أعلى السماوات .
قال : ورأينا المسلمين جميعا يرفعون أيديهم إذا دعوا إلى نحو السماء لأن الله مستو على العرش الذي فوق السماوات ، فلولا أن الله على العرش لم يرفعوا أيديهم نحو العرش .
قال : وقد قال قائلون من المعتزلة والجهمية والحرورية : إن معنى استوى استولى على العرش ، وملك وقهر ، وأن الله في كل مكان ، وجحدوا أن يكون على عرشه كما قال أهل الحق ، وذهبوا في الاستواء إلى القدرة ، فلو كان كما قالوا : كان لا فرق بين العرش والأرض السابعة ، لأن الله تعالى قادر على كل شيء ، والأرض فالله قادر عليه وعلى الحشوش ، فلو كان مستويا على العرش بمعنى الاستيلاء لجاز أن يقال إنه مستو على الأشياء كلها ، مع أنه لم يجز عند أحد المسلمين أن يقال إن الله تعالى مستو على الحشوش والأخلية ، فبطل أن يكون الاستواء على العرش الاستيلاء ، ثم بسط الأدلة على هذه المسألة من الكتاب والسنة والعقل بما يطول نقله .
وقال الأشعري أيضا في كتابه ( جمل المقالات ) : قال أهل السنة وأصحاب الحديث الله ليس بجسم ولا يشبه الأشياء ، وأنه على العرش كما [ ص: 198 ] قال عز وجل الرحمن على العرش استوى ولا تتقدم بين يدي الله في القول ، بل نقول استوى بلا كيف ، وأنه نور كما قال ( ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ) . إلى قال : ولم يقولوا شيئا إلا ما وجدوه من الكتاب أو جاءت به الرواية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
قال : وقالت المعتزلة إن الله استوى على عرشه بمعنى استوى . هذا نص كلامه .
فالأشعري إنما حكى تأويل الاستواء بالاستيلاء عن المعتزلة والجهمية ، وصرح بخلافه ، وأنه خالف قول أهل السنة ، وكذلك قال محيي السنة الحسين بن مسعود في تفسيره تابعا . لأبي الحسن الأشعري
وقال وهو من أفضل متكلمي القاضي أبو بكر بن الباقلاني الأشعرية : فإن قال قائل فهل تقولون إنه تعالى في كل مكان ؟ قيل له معاذ الله ، بل هو مستو على عرشه كما أخبر ، وقال : ( إليه يصعد الكلم الطيب ) . وساق الآيات المتقدمة ، ثم قال : ولو كان في كل مكان لكان في بطن الإنسان والحشوش ، ولصح أن يرغب إليه نحو الأرض ، وإلى خلفنا ، ويميننا ، وشمالنا .
قال : وهذا قد أجمع المسلمون على خلافه ، وتخطئة قائله ، وأطال في الاستدلال في كتابه ( التمهيد في أصول الدين ) وهو من أشهر كتبه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - روح الله روحه - : وكثير من الناس صار منتسبا إلى بعض طوائف المتكلمين ، متوهما أنهم حققوا في هذا الباب ما لم يحققه غيرهم ، فلو أتي بكل آية ما تبعها حتى يؤتي بشيء من كلامهم ، ثم هم مع هذا مخالفون لأسلافهم غير متبعين لهم .
قال : ومن كان لا يقبل الحق إلا من طائفة معينة ، ولا يتبع ما جاءه من الحق ففيه شبه من اليهود الذين قال الله فيهم : وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم فكذلك من يتعصب لطائفة بلا برهان من الله . انتهى .