تنبيه :
مذهب مبني فيما قاله متكلمو القول بالصلاح والأصلح الأشاعرة وغيرهم على قاعدتين : إحداهما : . الثانية : استلزام الأمر للإرادة ، فإن قلت : قد أسلفت عن أسلافك مثل تحسين العقل وتقبيحه في الأحكام الشرعية شيخ الإسلام ابن تيمية ، وتلميذه المحقق ابن القيم وغيرهما - الميل ، والاستدلال لإثبات التعليل والحكمة في الخلق والأمر ، وذلك من أصول القول بالصلاح [ ص: 333 ] والأصلح ، ثم هنا أبطلت هذا القول وذكرت من لوازمه ما لا جواب عنه ، فما تصنع في هذه اللوازم التي ألزمت بها المعتزلة ، وما الجواب عنها إذا وجهت إليكم ؟ قلت : لا ريب أننا نثبت لله ما أثبته لنفسه وشهدت به الفطرة والعقول من الحكمة في خلقه وأمره ، فكل ما خلق وأمر به فله فيه حكمة بالغة وآية قاهرة ، لأجلها خلقه وأمر به ، ولكن نقول إن لله في خلقه وأمره كله حكمة ليست مماثلة للمخلوق ، ولا مشابهة له ، بل الفرق بين الحكمتين ، كالفرق بين الفعلين ، وكالفرق بين الوصفين ، والذاتين ، فليس كمثله شيء في وصفه ، ولا في فعله ، ولا في حكمة مطلوبة له من فعله ، بل الفرق بين الخالق والمخلوق في ذلك كله أعظم فرق وأبينه وأوضحه عند العقول ، والفطر ، وعلى هذا فجميع ما ألزمت به الفرقة القائلة بالصلاح والأصلح ، بل وأضعاف ما ذكر من الإلزامات لله فيه حكمة يختص بها ، لا يشاركه فيها غيره ، ولأجلها حسن منه ذلك ، وقبح من المخلوقين لانتفاء تلك الحكمة في حقهم ، وهذا كما يحسن منه - تعالى - مدح نفسه ، والثناء عليها ، وإن قبح من أكثر خلقه ذلك ، ويليق بجلاله الكبرياء والعظمة ، ويقبح من خلقه تعاطيهما كما روي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه حكى عن الله - تعالى - أنه قال : " " وكما يحسن منه إماتة خلقه وابتلاؤهم وامتحانهم بأنواع المحن ، ويقبح ذلك من خلقه ، وهذا أكثر من أن تذكر أمثلته ، فليس بين الله وبين خلقه جامع يوجب أن يحسن منه ما حسن منهم ، ويقبح منه ما قبح منهم ، وإنما تتوجه تلك الإلزامات على من قاس أفعال الله - تعالى - بأفعال عباده ، دون من أثبت له حكمة يختص بها ولا تشبه ما للمخلوقين من الحكمة ، فهو عن تلك الإلزامات بمعزل ، ومنزله منها أبعد منزل ، ونكتة الفرق أن بطلان الصلاح والأصلح لا يستلزم بطلان الحكمة ، والتعليل ، كما أن التعليل الذي نثبته غير الذي تثبته الكبرياء إزاري ، والعظمة ردائي ، فمن نازعني واحدة منها عذبته المعتزلة ، كما مر ، فإن المعتزلة أثبتوا لله شريعة عقلية ، وأوجبوا عليه فيها وحرموا بمقتضى عقولهم ، فالمعتزلة يوجبون على الله ويحرمون بالقياس على عباده ، ولا ريب أن هذا من أفسد القياس وأبطله كما نبه عليه وبينه الإمام المحقق ابن القيم في كتابه مفتاح دار السعادة . وأما المعتزلة استلزام الأمر للإرادة الكونية فباطل لا يعول عليه ، وبالله التوفيق . زعم
[ ص: 334 ] ( ( فكل من ) ) أي : أي آدمي من خلقه ( ( شاء ) ) أي الله - تعالى - ( ( هداه ) ) المراد بالهدى هنا التوفيق ، والإلهام ، وهذه الهداية هي المستلزمة للاهتداء ، فلا يتخلف عنها ، وهي المذكورة في قوله - تعالى - : يضل من يشاء ويهدي من يشاء وفي قوله - تعالى - : إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل وفي قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " " ، وفي قوله - تعالى - : من يهد الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء فنفى عنه هذه الهداية ، وأثبت له هداية الدعوة والبيان في قوله : وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ، والمشيئة ترادف الإرادة ، فكل من شاء الله - تعالى - هدايته من جميع خلقه ( ( يهتدي ) ) الهداية المطلوبة في قوله - تعالى - : اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم من النبيين ، والصديقين ، والشهداء ، والصالحين .