الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
تتمة : في ذكر بعض ما ورد في هذا الفصل من الأخبار عن النبي المختار - صلى الله عليه وسلم ما تعاقب الليل والنهار . روى ابن حبان في صحيحه ، والحاكم وصححه من حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا تستبطئوا الرزق ، فإنه لم يكن عبد ليموت حتى يبلغ آخر رزق هو له ، فأجملوا في الطلب ، أخذ الحلال وترك الحرام " وعنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يا أيها الناس اتقوا الله وأجملوا في الطلب ، فإن نفسا لن تموت حتى تستوفي رزقها ، وإن أبطأ عنها ، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ، خذوا ما حل ودعوا ما حرم " رواه ابن ماجه [ ص: 351 ] ، واللفظ له ، والحاكم ، وقال : على شرط مسلم . وأخرج الحاكم من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ليس من عمل يقرب من الجنة إلا وقد أمرتكم به ، ولا عمل يقرب من النار إلا وقد نهيتكم عنه ، فلا يستبطئن أحد منكم رزقه ، فإن جبريل ألقى في روعي أن أحدا منكم لن يخرج من الدنيا حتى يستكمل رزقه ، فاتقوا الله أيها الناس وأجملوا في الطلب ، فإن استبطأ أحد منكم رزقه ، فلا يطلبه بمعصية الله - تعالى ، فإن الله لا ينال فضله بمعصيته " .

وفي حديث حذيفة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " هذا رسول رب العالمين جبريل - عليه السلام - نفث في روعي أنه لا تموت نفس حتى تستكمل رزقها " . رواه البزار . وفي حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق المصدوق : " إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة ، ثم يكون علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك ، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ، ويؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد " الحديث رواه البخاري ومسلم وغيرهما .

وقد روي عن محمد بن يزيد الإسفاطي ، قال : رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يرى النائم ، فقلت : يا رسول الله ، حديث ابن مسعود الذي حدث عنك ، فقال : حدثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق المصدوق ؟ فقال - صلى الله عليه وسلم - : " والذي لا إله إلا هو حدثته به أنا " يقولها ثلاثا ، ثم قال : غفر الله للأعمش كما حدث به ، وغفر الله لمن حدث به قبل الأعمش ، ولمن حدث به بعده .

وفي الصحيحين من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " وكل الله بالرحم ملكا يقول : أي رب نطفة ، أي رب علقة ، أي رب مضغة ، فإذا أراد الله أن يقضي خلقا ، قال : يا رب أذكر أم أنثى ؟ أشقي أم سعيد ؟ فما الرزق ؟ فما الأجل ؟ فيكتب كذلك في بطن أمه " . وفي مسلم من حديث حذيفة بن أسيد - رضي الله عنه - يبلغ به عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : ويكتب عمله وأثره وأجله ورزقه ، ثم تطوى الصحف فلا يزاد فيها ولا ينقص . وقد روي أنه يكتب على جبهته ، أو بطن كفه ، أو ورقة تعلق في عنقه . وفي رواية : بين عينيه . قال الحافظ ابن رجب في شرح الأربعين النووية : وبكل حال فهذه الكتابة التي [ ص: 352 ] تكتب للجنين في بطن أمه غير كتابة المقادير السابقة لخلق الخلائق المذكورة في قوله - تعالى - : ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها كما في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن الله - تعالى - قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة " كما تقدم . قال علماء الحديث : فيكتب رزقه ، قليلا كان أو كثيرا ، وصفته حلالا كان أو حراما أو مكروها ، ويكتب أجله طويلا أو قصيرا . وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية