( ( ووكل الله من الكرام اثنين حافظين للأنام ) ) ( ( فيكتبان كل أفعال الورى
كما أتى في النص من غير امترا ) )
والتنكير في المراء في الحديث إيذانا بأن شيئا منه كفر فضلا عما زاد عليه . وقيل إنما أراد الجدال والمراء في الآيات التي فيها ذكر القدر ونحوه من المعاني على مذاهب أهل الكلام وأصحاب الأهواء والآراء دون ما تضمنته من الأحكام ، وأبواب الحلال ، والحرام فإن ذلك قد جرى بين الصحابة فمن بعدهم من العلماء ، وذلك فيما يكون الغرض منه ، والباعث عليه ظهور الحق ليتبع دون الغلبة ، والتعجيز ، والله أعلم .
قال علماؤنا - منهم ابن حمدان في نهاية المبتدئين : الرقيب والعتيد ملكان موكلان بالعبد يجب أن نؤمن بهما ونصدق بأنهما يكتبان أفعاله كما قال [ ص: 448 ] - تعالى - : عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد وقوله : وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون ولا يفارقان العبد بحال وقيل بل عند الخلاء ، وقال الحسن : إن الملائكة يجتنبون الإنسان على حالين عند غائطه وعند جماعه ، ومفارقتهما للمكلف حينئذ لا تمنع من كتبهما ما يصدر منه في تلك الحال كالاعتقاد القلبي ، يجعل الله لهما أمارة على ذلك ، قال سيدنا - رضي الله عنه - : للعبد ملائكة يحفظونه بأمر الله تعالى - يشير إلى قوله تعالى - : الإمام أحمد له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله قال العلامة الشيخ عبد الرحمن العليمي العمري الحنبلي في تفسيره للقرآن العظيم المسمى بفتح الرحمن في تفسير القرآن : التعقيب العود بعد البدء وإنما ذكر بلفظ التأنيث ; لأن المراد الجماعات التي يعقب بعضها بعضا . وقوله : يحفظونه من أمر الله من المضار ويراقبون أحواله من أجل أمر الله ، فإذا جاء القدر خلوا عنه . وقال البيضاوي : يحفظونه من أمر الله من بأسه متى أذنب بالإمهال ، والاستغفار ، أو يحفظونه من المضار ، أو يراقبون أحواله من أجل أمر الله ، وقد قرئ به ، وقيل : " من " بمعنى الباء . وقال في قوله " معقبات " : التاء للمبالغة ، أو لأن جماعات وقرئ " معاقيب " جمع معقب أو معقبة على تعويض الياء من أحد القافين . انتهى . المراد بالمعقبات
وفي صحيح : معقبات ملائكة حفظة تعقب الأولى منهما الأخرى ، ومنه قيل المعقب أي عقيب في أثره . قال البخاري أبو عبيدة : أي ملائكة تعقب بعد ملائكة ، حفظة بالليل تعقب بعد حفظة النهار ، وحفظة النهار تعقب بعد حفظة الليل . وروى بإسناد حسن عن الطبري - رضي الله عنهما - في قوله - تعالى - : ابن عباس له معقبات من بين يديه ومن خلفه قال : ملائكة يحفظونه من بين يديه ومن خلفه ، فإذا جاء قدره خلوا عنه . وأخرج من طريق عن ابن أبي طلحة في قوله : ابن عباس من أمر الله أي بإذن الله . فالمعقبات هي من أمر الله وهي الملائكة . ومن طريق عنه قال : حفظهم إياه بأمر الله . ومن طريق سعيد بن جبير قال : يحفظونه من الجن . ومن طريق إبراهيم النخعي قال : لولا أن الله وكل بكم ملائكة [ ص: 449 ] يذبون عنكم في مطعمكم ومشربكم وعوراتكم لتخطفتم . وأخرج كعب الأحبار من طريق الطبراني كنانة العدوي أن عثمان سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن عدد الملائكة الموكلة بالآدمي فقال : لكل آدمي عشرة بالليل وعشرة بالنهار واحد عن يمينه وآخر عن شماله واثنان من بين يديه ومن خلفه ، واثنان على جنبه وآخر قابض على ناصيته فإن تواضع رفعه وإن تكبر وضعه ، واثنان على شفتيه ليس يحفظان عليه إلا الصلاة على محمد ، والعاشر يحرسه من الحية أن تدخل فاه - يعني إذا نام . قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري : وجاء في تأويل ذلك قول آخر رجحه فأخرج بإسناد صحيح عن ابن جرير - رضي الله عنهما - في قوله - تعالى - : ابن عباس له معقبات قال : ذكر ملكا من ملوك الدنيا له حرس ومن دونه حرس . ومن طريق عكرمة في قوله : له معقبات ، قال : المواكب . وفي الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " " . وفي بعض التفاسير في قوله - تعالى - : يتعاقبون فيكم : ملائكة بالليل وملائكة بالنهار إن كل نفس لما عليها حافظ وكل بالمؤمن مائة وستون ملكا يذبون عنه ما لم يقدر عليه ، للبصر من ذلك سبعة أملاك يذبون عنه كما يذب عن قصعة العسل الذباب ، ولو وكل العبد إلى نفسه طرفة عين لاختطفته الشياطين ، وذكره في كنز الأسرار من حديث أبي أمامة - رضي الله عنه - مرفوعا . قال العلامة الشيخ مرعي في بهجته : وأما فقيل أربعة اثنان بالليل واثنان بالنهار ، وقيل خمسة واحد لا يفارق في ليل ولا نهار . انتهى ، والمشهور أنهما اثنان لكل واحد ، قال الملائكة الكاتبون الضحاك : مجلس الملكين تحت الشعر على الحنك . ومثله عن الحسن . وكان الحسن يعجبه أن ينظف عنفقته . وعنه - عليه السلام - " مقعد ملكيك على شفتيك ، ولسانك قلمهما ، وريقك مدادهما وأنت تجري فيما لا يعنيك ولا تستحي من الله ولا منهما " . وعنه - عليه الصلاة والسلام - " كاتب الحسنات عن يمين الرجل - يعني الشخص - وكاتب السيئات عن يساره ، وكاتب الحسنات أمير على كاتب السيئات ، فإذا عمل الشخص حسنة كتبها صاحب اليمين عشرا ، وإذا عمل سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال : دعه سبع ساعات لعله يسبح ، أو يستغفر " . ونقل الحافظ ابن رجب في شرح الأربعين النووية عن شويس [ ص: 450 ] العدوي وكان من قدماء التابعين أن صاحب اليمين أمير - ، أو قال : أمين - على صاحب الشمال ، فإذا عمل ابن آدم سيئة ، قال له صاحب اليمين : لا تعجل لعله يعمل حسنة ، فإن عمل حسنة ألقى واحدة بواحدة وكتب له تسع حسنات فيقول الشيطان يا ويله من يدرك تضعيف ابن آدم . وقال واحد وهو المشهور : إن ، وإن كاتب الحسنات له إمارة على كاتب السيئات ، فلا يمكنه من كتبها إلا بعد مضي ست ساعات من غير توبة من المكلف أو استغفار ، أو فعل مكفر لها ، مع مبادرته بكتب الحسنات فورا ، والذي رواه أحد الملكين على عاتق الإنسان الأيمن ، وهو كاتب الحسنات ، والآخر على عاتقه الأيسر البغوي من حديث أبي أمامة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " كاتب الحسنات على يمين الرجل ، وكاتب السيئات على يسار الرجل ، وكاتب الحسنات أمير على كاتب السيئات : دعه سبع ساعات لعله يسبح لله ، أو يستغفر .