[ ص: 184 ] ( ( و ) ) كذا وقوف الخلق لأجل ( ( الميزان ) ) اعلم أن مراتب المعاد البعث والنشور ثم المحشر ، ثم القيام لرب العالمين ، ثم العرض ، ثم تطاير الصحف وأخذها باليمين وأخذها بالشمال ، ثم السؤال والحساب ، ثم الميزان ( ( بالثواب ) ) أي ثواب الأعمال الصالحة ، وعن السيئات الفاضحة قال علماؤنا كغيرهم :
نؤمن بأن حق ، قالوا : وله لسان وكفتان توزن به صحائف الأعمال ، قال الميزان الذي توزن به الحسنات والسيئات - رضي الله عنهما : توزن الحسنات في أحسن صورة ، والسيئات في أقبح صورة . ابن عباس
قال العلامة الشيخ مرعي في بهجته :
الصحيح أن المراد بالميزان الميزان الحقيقي لا مجرد العدل خلافا لبعضهم .
وقال القرطبي في تذكرته :
قال العلماء : إذا انقضى الحساب كان بعده وزن الأعمال ؛ لأن الوزن للجزاء ، فينبغي أن يكون بعد المحاسبة لتقرير الأعمال والوزن لإظهار مقاديرها ليكون الجزاء بحسبها ، قال الله تعالى : ( ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين ) ، وقال تعالى : ( فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية وأما من خفت موازينه فأمه هاوية وما أدراك ما هيه نار حامية ) ، والحاصل أن الإيمان بالميزان كأخذ الصحف ثابت بالكتاب والسنة والإجماع ، فالكتاب ما ذكرناه ، وقوله تعالى ( وأما من خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم ) إلى غير ذلك من الآيات ، وروي أن داود عليه السلام سأل ربه أن يريه الميزان ، فلما رآه غشي عليه ، فلما أفاق قال : إلهي من ذا الذي يقدر بملأ كفة حسناته ؟ فقال :
إذا رضيت عن عبدي ملأتها بتمرة . ذكره الرازي والثعلبي .
وقال - رضي الله عنه : إن ميزان رب العالمين ينصب للجن والإنس ، يستقبل به العرش ، إحدى كفتيه على الجنة ، والأخرى على جهنم ، لو وضعت السماوات والأرض في إحداهما لوسعتهن ، عبد الله بن سلام وجبريل آخذ بعموده ينظر إلى لسانه .
قال في البهجة في هذا : إن أعمال الجن توزن كما توزن أعمال الإنس ، وهو كذلك ارتضاه الأئمة .
قال القرطبي في تذكرته :
المتقون توضع حسناتهم في الكفة النيرة حتى [ ص: 185 ] لا ترتفع ، وترفع المظلمة ارتفاع الفارغة الخالية ، قال : وأما الكفار فيوضع كفرهم وأوزارهم في الكفة المظلمة ، وإن كانت لهم أعمال بر وضعت في الكفة الأخرى فلا تقاومها إظهارا بفضل المتقين وذل الكافرين ، والحق أن الكفار لا يقيم الله لهم وزنا ، لقوله تعالى : ( فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ) ، ومن قال : توزن أعمالهم لوروده في ظواهر عموم الآيات والأحاديث يجيب عن الآية الكريمة بأنه تعالى لا يقيم لهم وزنا نافعا كما في قوله :
( وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا ) أي كالهباء في عدل نفعه ، وحصول فائدته .
والحق أن مؤمني الجن كالإنس في الوزن ، وكافرهم ككافرهم .
وأخرج الحاكم وصححه من حديث - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " سلمان الفارسي " يوضع الميزان يوم القيامة فلو وزن فيه السماوات والأرض لوسعهن ، فتقول الملائكة : يا رب لمن يزن هذا ؟ فيقول : لمن شئت من خلقي ، فتقول الملائكة سبحانك ما عبدناك حق عبادتك
وأخرجه الإمام في الزهد ، عبد الله بن المبارك في الشريعة عن والآجري سلمان موقوفا .
وأخرج البزار والبيهقي في البعث عن - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " أنس بن مالك يؤتى بابن آدم يوم القيامة فيوقف بين كفة الميزان ، ويوكل به ملك ، فإن ثقل ميزانه نادى الملك بصوت يسمع الخلائق :
سعد فلان ابن فلان سعادة لا يشقى بعدها أبدا ، وإن خف ميزانه نادى الملك بصوت يسمع الخلائق :
ألا شقي فلان شقاوة لا يسعد بعدها أبدا " ، وذكر الثعلبي وغيره ، في تفسيره ، وابن جرير عن وابن أبي الدنيا حذيفة - رضي الله عنه - أنه قال :
صاحب الميزان يوم القيامة جبريل عليه السلام . وقال الحسن هو ميزان له كفتان ، ولسان وهو بيد جبريل عليه السلام . وأخرج في تفسيره من طريق أبو الشيخ بن حيان الكلبي عن أبي صالح عن - رضي الله عنهما - قال : ابن عباس
الميزان له لسان وكفتان . فقد دلت الآثار على أنه ميزان حقيقي ذو كفتين ولسان كما قال ابن عباس ، وصرح بذلك علماؤنا والحسن البصري والأشعرية وغيرهم ، وقد بلغت أحاديثه مبلغ التواتر ، وانعقد إجماع أهل الحق من المسلمين عليه ، وأخرج عن ابن أبي حاتم - رضي الله عنهما - قال : ابن عباس
يحاسب الناس يوم القيامة [ ص: 186 ] فمن كانت حسناته أكثر من سيئاته بواحدة دخل الجنة ، ومن كانت سيئاته أكثر من حسناته بواحدة دخل النار .
قال : وإن الميزان يخف بمثقال حبة ويرجح ، ومن استوت حسناته وسيئاته كان من أصحاب الأعراف فوقفوا على الصراط .
وأخرج في الزهد من طريق الإمام أحمد رباح بن زيد عن أبي الجراح عن رجل يقال له حازم ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نزل عليه جبريل وعنده رجل يبكي ، فقال : " من هذا ؟ قال : فلان ، قال جبريل : أنا أزن أعمال بني آدم كلها إلا البكاء ، فإن الله يطفئ بالدمع بحورا من نيران جهنم " .
وأخرج البيهقي عن مسلم بن يسار قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( ، ولا سالت قطرة على خدها فيرهق ذلك الوجه قتر ولا ذلة ، ولو أن باكيا بكى في أمة من الأمم لرحموا ، وما من شيء إلا له مقدار وميزان إلا الدمعة فإنها يطفأ بها بحار من نار ما اغرورقت عين بمائها إلا حرم الله ذلك الجسد على النار ) ، وأخرج الترمذي وحسنه من أنس - رضي الله عنه - قال : سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يشفع لي يوم القيامة ، فقال :
" أنا فاعل إن شاء الله " قلت :
أين أطلبك ؟ قال :
" أول ما تطلبني على الصراط " قلت :
فإن لم ألقك على الصراط قال :
" فاطلبني عند الميزان " قلت ، فإن لم ألقك عند الميزان قال : " فاطلبني عند الحوض ، فإني لا أخطئ الثلاث مواطن " ورواه حديث البيهقي في البعث وغيره .