( تنبيهات )
( الأول ) اتفقت الكلمة على إثبات الصراط في الجملة ، لكن أهل الحق يثبتونه على ظاهره من كونه جسرا ممدودا على متن جهنم أحد من السيف وأدق من الشعر ، وأنكر هذا الظاهر القاضي
nindex.php?page=showalam&ids=14959عبد الجبار المعتزلي ، وكثير من أتباعه زعما منهم أنه لا يمكن عبوره ، وإن أمكن ففيه تعذيب ، ولا عذاب على
[ ص: 193 ] المؤمنين والصلحاء يوم القيامة ، وإنما المراد طريق الجنة المشار إليه بقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=5سيهديهم ويصلح بالهم ) ، وطريق النار المشار إليه بقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=23فاهدوهم إلى صراط الجحيم ) .
ومنهم من حمله على الأدلة الواضحة والمباحات والأعمال الرديئة ليسأل عنها ويؤاخذ بها .
وكل هذا باطل وخرافات ؛ لوجود رد النصوص على حقائقها ، وليس العبور على الصراط بأعجب من المشي على الماء أو الطيران في الهواء ، والوقوف فيه .
وقد أجاب - صلى الله عليه وسلم - عن سؤال حشر الكافر على وجهه بأن القدرة صالحة لذلك .
وأنكر العلامة
القرافي كون الصراط أدق من الشعر وأحد من السيف ، وسبقه إلى ذلك شيخه
العز بن عبد السلام ، والحق أن الصراط وردت به الأخبار الصحيحة ، وهو محمول على ظاهره بغير تأويل كما ثبت في الصحيحين والمسانيد والسنن والصحاح مما لا يحصى إلا بكلفة من أنه جسر مضروب على متن جهنم يمر عليه جميع الخلائق ، وهم في جوازه متفاوتون .
وقال المنكر لكون الصراط أدق من الشعر وأحد من السيف : هذا إن ثبت حمل على غير ظاهره لمنافاته للأحاديث الأخر من قيام الملائكة على جنبتيه ، وكون الكلاليب والحسك فيه ، وإعطاء كل من المارين عليه من النور قدر موضع قدميه .
قال
القرافي : والصحيح أنه عريض ، وقيل طريقان يمنى ويسرى ، فأهل السعادة يسلك بهم ذات اليمين ، وأهل الشقاوة يسلك بهم ذات الشمال ، وفيه طاقات كل طاقة تنفذ إلى طبقة من طبقات جهنم ، وجهنم بين الخلق وبين الجنة ، والجسر على ظهرها منصوب فلا يدخل أحد الجنة حتى يمر على جهنم ، وهو معنى قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=71وإن منكم إلا واردها ) على أحد الأقوال .
ثم قال
القرافي تبعا للحافظ
البيهقي : كون الصراط أدق من الشعر وأحد من السيف لم أجده في الروايات الصحيحة ، وإنما يروى عن بعض الصحابة ، فيؤول بأن أمره أدق من الشعر ، فإن يسر الجواز عليه وعسره على قدر الطاعات والمعاصي ، ولا يعلم حدود ذلك إلا الله تعالى ، وقد جرت العادة بضرب دقة الشعر مثلا للغامض الخفي ، وضرب حد السيف لإسراع الملائكة في المضي لامتثال أمر الله ، وإجازة الناس عليه .
ورد هذا
[ ص: 194 ] الإمام
القرطبي ، وغيره من أئمة الآثار ، وقد أخرج
مسلم تلك الزيادة في صحيحه عن
أبي سعيد بلاغا ، وليست مما للرأي والاجتهاد فيه مجال فهي مرفوعة ، وقد مر من الأخبار ما يوجب الإيمان بذلك ، ثم إن القادر على إمساك الطير في الهواء قادر على أن يمسك عليه المؤمن ويجريه ويمشيه ، على أنه أخرج الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=16418عبد الله بن المبارك ،
nindex.php?page=showalam&ids=12455وابن أبي الدنيا عن
nindex.php?page=showalam&ids=15987سعيد بن أبي هلال قال :
بلغنا أن
nindex.php?page=treesubj&link=30369_30370الصراط يوم القيامة يكون على بعض الناس أدق من الشعر ، وعلى بعض مثل الوادي الواسع ، وأخرج
أبو نعيم عن
nindex.php?page=showalam&ids=16065سهل بن عبد الله التستري قال :
من دق الصراط عليه في الدنيا عرض عليه في الآخرة ، ومن عرض عليه الصراط في الدنيا دق له في الآخرة .
( تَنْبِيهَاتٌ )
( الْأَوَّلُ ) اتَّفَقَتِ الْكَلِمَةُ عَلَى إِثْبَاتِ الصِّرَاطِ فِي الْجُمْلَةِ ، لَكِنَّ أَهْلَ الْحَقِّ يُثْبِتُونَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ كَوْنِهِ جِسْرًا مَمْدُودًا عَلَى مَتْنِ جَهَنَّمَ أَحَدَّ مِنَ السَّيْفِ وَأَدَقَّ مِنَ الشَّعْرِ ، وَأَنْكَرَ هَذَا الظَّاهِرَ الْقَاضِي
nindex.php?page=showalam&ids=14959عَبْدُ الْجَبَّارِ الْمُعْتَزِلِيُّ ، وَكَثِيرٌ مِنْ أَتْبَاعِهِ زَعْمًا مِنْهُمْ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ عُبُورُهُ ، وَإِنْ أَمْكَنَ فَفِيهِ تَعْذِيبٌ ، وَلَا عَذَابَ عَلَى
[ ص: 193 ] الْمُؤْمِنِينَ وَالصُّلَحَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ طَرِيقُ الْجَنَّةِ الْمُشَارُ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=5سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ ) ، وَطَرِيقُ النَّارِ الْمُشَارُ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=23فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ ) .
وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الْأَدِلَّةِ الْوَاضِحَةِ وَالْمُبَاحَاتِ وَالْأَعْمَالِ الرَّدِيئَةِ لِيُسْأَلَ عَنْهَا وَيُؤَاخَذَ بِهَا .
وَكُلُّ هَذَا بَاطِلٌ وَخُرَافَاتٌ ؛ لِوُجُودِ رَدِّ النُّصُوصِ عَلَى حَقَائِقِهَا ، وَلَيْسَ الْعُبُورُ عَلَى الصِّرَاطِ بِأَعْجَبَ مِنَ الْمَشْيِ عَلَى الْمَاءِ أَوِ الطَّيَرَانِ فِي الْهَوَاءِ ، وَالْوُقُوفِ فِيهِ .
وَقَدْ أَجَابَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ سُؤَالِ حَشْرِ الْكَافِرِ عَلَى وَجْهِهِ بِأَنَّ الْقُدْرَةَ صَالِحَةٌ لِذَلِكَ .
وَأَنْكَرَ الْعَلَّامَةُ
الْقَرَافِيُّ كَوْنَ الصِّرَاطِ أَدَقَّ مِنَ الشَّعْرِ وَأَحَدَّ مِنَ السَّيْفِ ، وَسَبَقَهُ إِلَى ذَلِكَ شَيْخُهُ
الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ، وَالْحَقُّ أَنَّ الصِّرَاطَ وَرَدَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى ظَاهِرِهِ بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالْمَسَانِيدِ وَالسُّنَنِ وَالصِّحَاحِ مِمَّا لَا يُحْصَى إِلَّا بِكُلْفَةٍ مِنْ أَنَّهُ جِسْرٌ مَضْرُوبٌ عَلَى مَتْنِ جَهَنَّمَ يَمُرُّ عَلَيْهِ جَمِيعُ الْخَلَائِقِ ، وَهُمْ فِي جَوَازِهِ مُتَفَاوِتُونَ .
وَقَالَ الْمُنْكِرُ لِكَوْنِ الصِّرَاطِ أَدَقَّ مِنَ الشِّعْرِ وَأَحَدَّ مِنَ السَّيْفِ : هَذَا إِنْ ثَبَتَ حُمِلَ عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِهِ لِمُنَافَاتِهِ لِلْأَحَادِيثِ الْأُخَرِ مِنْ قِيَامِ الْمَلَائِكَةِ عَلَى جَنَبَتَيْهِ ، وَكَوْنِ الْكَلَالِيبِ وَالْحَسَكِ فِيهِ ، وَإِعْطَاءِ كُلٍّ مِنَ الْمَارِّينَ عَلَيْهِ مِنَ النُّورِ قَدْرَ مَوْضِعِ قَدَمَيْهِ .
قَالَ
الْقَرَافِيُّ : وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عَرِيضٌ ، وَقِيلَ طَرِيقَانِ يُمْنَى وَيُسْرَى ، فَأَهْلُ السَّعَادَةِ يُسْلَكُ بِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ ، وَأَهْلُ الشَّقَاوَةِ يُسْلَكُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ ، وَفِيهِ طَاقَاتٌ كُلُّ طَاقَةٍ تُنْفِذُ إِلَى طَبَقَةٍ مِنْ طَبَقَاتِ جَهَنَّمَ ، وَجَهَنَّمُ بَيْنَ الْخَلْقِ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ ، وَالْجِسْرُ عَلَى ظَهْرِهَا مَنْصُوبٌ فَلَا يَدْخُلُ أَحَدٌ الْجَنَّةَ حَتَّى يَمُرَّ عَلَى جَهَنَّمَ ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=71وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ) عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ .
ثُمَّ قَالَ
الْقَرَافِيُّ تَبَعًا لِلْحَافِظِ
الْبَيْهَقِيِّ : كَوْنُ الصِّرَاطِ أَدَقَّ مِنَ الشَّعْرِ وَأَحَدَّ مِنَ السَّيْفِ لَمْ أَجِدْهُ فِي الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ ، وَإِنَّمَا يُرْوَى عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ ، فَيُؤَوَّلُ بِأَنَّ أَمْرَهُ أَدَقُّ مِنَ الشَّعْرِ ، فَإِنَّ يُسْرَ الْجَوَازِ عَلَيْهِ وَعُسْرَهُ عَلَى قَدْرِ الطَّاعَاتِ وَالْمَعَاصِي ، وَلَا يَعْلَمُ حُدُودَ ذَلِكَ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى ، وَقَدْ جَرَتِ الْعَادَةُ بِضَرْبِ دِقَّةِ الشَّعْرِ مَثَلًا لِلْغَامِضِ الْخَفِيِّ ، وَضَرْبِ حَدِّ السَّيْفِ لِإِسْرَاعِ الْمَلَائِكَةِ فِي الْمُضِيِّ لِامْتِثَالِ أَمْرِ اللَّهِ ، وَإِجَازَةِ النَّاسِ عَلَيْهِ .
وَرَدَّ هَذَا
[ ص: 194 ] الْإِمَامُ
الْقُرْطُبِيُّ ، وَغَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْآثَارِ ، وَقَدْ أَخْرَجَ
مُسْلِمٌ تِلْكَ الزِّيَادَةَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ
أَبِي سَعِيدٍ بَلَاغًا ، وَلَيْسَتْ مِمَّا لِلرَّأْيِ وَالِاجْتِهَادِ فِيهِ مَجَالٌ فَهِيَ مَرْفُوعَةٌ ، وَقَدْ مَرَّ مِنَ الْأَخْبَارِ مَا يُوجِبُ الْإِيمَانَ بِذَلِكَ ، ثُمَّ إِنَّ الْقَادِرَ عَلَى إِمْسَاكِ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُمْسِكَ عَلَيْهِ الْمُؤْمِنَ وَيُجْرِيَهُ وَيُمْشِيَهُ ، عَلَى أَنَّهُ أَخْرَجَ الْإِمَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=16418عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12455وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15987سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ قَالَ :
بَلَغَنَا أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30369_30370الصِّرَاطَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ أَدَقَّ مِنَ الشَّعْرِ ، وَعَلَى بَعْضٍ مِثْلَ الْوَادِي الْوَاسِعِ ، وَأَخْرَجَ
أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16065سَهْلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التُّسْتَرِيِّ قَالَ :
مَنْ دَقَّ الصِّرَاطُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا عَرُضَ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ ، وَمَنْ عَرُضَ عَلَيْهِ الصِّرَاطُ فِي الدُّنْيَا دَقَّ لَهُ فِي الْآخِرَةِ .