واعلم أن : ( الأولى ) الشفاعة التي يشفع فيها لأهل الموقف حتى يقضى بينهم بعد أن يتدافعها الأنبياء أصحاب الشرائع للنبي - صلى الله عليه وسلم - شفاعات آدم إلى نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام ، وهي المقام المحمود ، وقد وردت من حديث الصديق الأعظم وأنس وأبي هريرة وابن عباس وابن عمر وحذيفة وعقبة بن عامر ، وأبي سعيد الخدري ، هؤلاء ورد أمر الشفاعة في أحاديثهم مطولا ، وورد مختصرا من حديث وسلمان الفارسي ، أبي بن كعب ، وعبادة بن الصامت ، وجابر بن عبد الله ، وغيرهم - رضي الله عنهم ، وأخرج وعبد الله بن سلام الإمام أحمد والبخاري ومسلم وغيرهم من حديث - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أنس بن مالك
" آدم فيقولون :
يا آدم أنت أبو البشر خلقك الله بيده ، وأسجد لك ملائكته ، وعلمك أسماء كل شيء ، فاشفع لنا إلى ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا ، فيقول لهم آدم :
لست هناكم ، ويذكر ذنبه الذي أصاب ، فيستحيي ربه من ذلك ، ويقول :
ولكن ائتوا نوحا ، فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض ، فيأتون نوحا فيقول :
لست هناكم ، ويذكر خطيئته سؤال ربه ما ليس له به علم ، فيستحيي ربه من ذلك ، ولكن ائتوا إبراهيم خليل الرحمن ، فيأتونه ، فيقول :
لست هناكم ولكن ائتوا موسى عبدا كلمه الله وأعطاه التوراة ، فيأتون موسى فيقول :
لست هناكم ويذكر لهم النفس التي قتل بغير حق ، فيستحيي ربه من ذلك ، ولكن ائتوا عيسى عبد الله ورسوله وكلمته وروحه ، فيأتون عيسى فيقول :
لست هناكم ، ولكن ائتوا محمدا عبدا غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، فيأتونني فأقوم فأمشي بين سماطين من المؤمنين حتى أستأذن على ربي ، فإذا رأيت ربي وقعت ساجدا ، فيدعني ما شاء الله أن يدعني ، ثم يقال : ارفع محمد قل يسمع ، واشفع تشفع ، وسل تعطه ، فأرفع رأسي ، فأحمده بتحميد يعلمنيه ، ثم أشفع " الحديث . يجتمع المؤمنون يوم القيامة ، فيلهمون لذلك اليوم ، فيقولون : لو استشفعنا إلى ربنا [ ص: 205 ] حتى يريحنا من مقامنا هذا ، فيأتون
وأخرج بسند صحيح عن الإمام أحمد أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال " :
عيسى ، فقال :
هذه الأنبياء قد جاءتك يا محمد يسألونك ، ويدعون الله أن يفرق بين جميع الأمم إلى حيث يشاء الله إلى غير ما هم فيه ، فالخلق ملجمون بالعرق ، فأما المؤمن فهو عليه كالزكمة ، وأما الكافر فيغشاه الموت ، فقال : انتظر حتى أرجع إليك ، فذهب نبي الله - صلى الله عليه وسلم ، فقام تحت العرش ، فلقي ما لم يلق ملك مصطفى ، ولا نبي مرسل ، فأوحى الله إلى جبريل أن اذهب إلى محمد ، وقل له : ارفع رأسك سل تعطه ، واشفع تشفع " الحديث . إني لقائم أنتظر متى يعبر الصراط إذ جاءني
وأخرج الترمذي والبيهقي عن أنس - رضي الله عنه - قال :
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " " . أنا أول الناس خروجا إذا بعثوا ، وخطيبهم إذا أنصتوا ، وقائدهم إذا وفدوا ، وشافعهم إذا حبسوا ، ومبشرهم إذا أيسوا ، لواء الكرم بيدي ، ومفاتيح الجنة يومئذ بيدي ، وأنا أكرم ولد آدم يومئذ على ربي ولا فخر ، يطوف علي ألف خادم كأنهم اللؤلؤ المكنون
وروى الإمام أحمد والبزار وأبو يعلى ، في صحيحه من [ ص: 206 ] حديث وابن حبان الأعظم - رضي الله عنه - نحو حديث الصديق أنس في مراجعته الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، قال : هذا أشرف الحديث . إسحاق بن إبراهيم يعني الإمام ابن راهويه
وقد روى هذا الحديث عدة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن البخاري ومسلم وغيرهما من حديث - رضي الله عنه - أنه - صلى الله عليه وسلم - قال : أبي هريرة
ألا ترون إلى ما أنتم فيه إلى ما قد بلغكم ؟ ألا تنظرون إلى من يشفع لكم إلى ربكم ؟ فيقول بعض الناس لبعض : أبوكم آدم ، فيأتونه فيقولون : يا آدم أنت أبو البشر خلقك الله بيده ، ونفخ فيك من روحه ، وأمر الملائكة فسجدوا لك ، وأسكنك الجنة ، ألا تشفع لنا إلى ربك ، ألا ترى ما نحن فيه وما بلغنا ؟ فيقول :
إن ربي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ، ولا يغضب بعده مثله ، وإنه نهاني عن الشجرة فعصيت ، نفسي نفسي ، اذهبوا إلى غيري ، اذهبوا إلى نوح ، فيحيلهم على إبراهيم ، وإبراهيم على موسى ، وموسى على عيسى ، وعيسى يقول : اذهبوا إلى غيري ، اذهبوا إلى محمد ، فيأتون فيقولون : يا محمد أنت رسول الله وخاتم الأنبياء ، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ، اشفع لنا إلى ربك ، ألا ترى ما نحن فيه ؟ فأنطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجدا لربي ، ثم يفتح الله علي من محامده وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه على أحد قبلي ، ثم يقال : يا محمد ارفع رأسك سل تعطه ، واشفع تشفع ، فأرفع رأسي فأقول :
أمتي يا رب ، فيقال :
يا محمد أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة ، وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب ، ثم قال :
والذي نفسي بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وهجر ، أو كما بين مكة وبصرى . " أنا سيد الناس يوم القيامة ، وهل تدرون مما ذاك ؟ يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد يسمعهم الداعي وينفذهم البصر ، وتدنو منهم الشمس فيبلغ الناس من الهم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون ، ويقول الناس :
وأخرج ، الإمام أحمد وأبو يعلى من حديث - رضي الله عنهما - مرفوعا نحوه ، وفيه ابن عباس آدم ونوح وإبراهيم وموسى عليهم السلام ، فيقولون لعيسى عليه السلام : اشفع لنا إلى ربك فليقض بيننا ، فيقول : إني لست هناكم ، إني اتخذت إلها من دون الله ، وإني لا يهمني اليوم إلا [ ص: 207 ] نفسي ، ولكن إن كان متاع في وعاء مختوم عليه ، أكان يقدر على ما في جوفه حتى يفض الخاتم ؟ فيقولون : لا ، فيقول :
إن محمدا - صلى الله عليه وسلم - خاتم النبيين ، قد حضر اليوم وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : فيأتونني ، فيقولون : يا محمد اشفع لنا إلى ربك فليقض بيننا ، فيقول :
أنا لها ، حتى يأذن الله لمن يشاء ويرضى ، فإذا أراد الله أن يصدع بين خلقه نادى مناد أين أحمد وأمته ؟ فنحن الآخرون الأولون ، نحن آخر الأمم وأول من يحاسب ، فتفرج لنا الأمم عن طريقنا ، فنمضي محجلين من أثر الطهور ، فتقول الأمم : كادت هذه الأمم أن تكون أنبياء كلها ، فنأتي باب الجنة ، فآخذ بحلقة الباب فأقرع الباب ، فيقال : من أنت ، فيقول أنا محمد " الحديث ، وفيه : " يا محمد ارفع رأسك ، وسل تعطه ، وقل يسمع ، واشفع تشفع " . أنهم يأتون عيسى بعد
وفى صحيح من حديث البخاري - رضي الله عنهما : ابن عمر . إن الناس يصيرون يوم القيامة جثى كل أمة تتبع نبيها يقولون : يا فلان اشفع لنا ، حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذلك يوم يبعثه الله مقاما محمودا