( تتمة في ذكر ، وأين هما على مقتضى الآثار ) . مكان الجنة والنار
اعلم أن الجنة فوق السماء السابعة ، وسقفها عرش الرحمن كما قال جل شأنه في محكم القرآن ( ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى ) وقد ثبت أن سدرة المنتهى فوق السماء السابعة وسميت بذلك لأنها ينتهي إليها ما ينزل من عند الله فيقبض منها ، وما يصعد إليه فيقبض منها ، وقال تعالى : ( وفي السماء رزقكم وما توعدون ) قال عن ابن أبي نجيح مجاهد : هو الجنة - وتلقاه الناس عنه .
وذكر ابن المنذر في تفسيره عن مجاهد قال : هو الجنة والنار . وقد أخرج أبو نعيم عن - رضي الله عنه - قال : قال أكرم خليقة الله أبو القاسم - صلى الله عليه وسلم : " عبد الله بن سلام إن الجنة في السماء " . وروى أبو نعيم أيضا عن - رضي الله عنهما - قال : الجنة في السماء السابعة ، ويجعلها الله تعالى حيث شاء يوم القيامة ، وجهنم في الأرض السابعة . ابن عباس
وروى ابن منده عن - رضي الله عنه : الجنة في السماء الرابعة ، فإذا كان يوم القيامة جعلها الله حيث شاء ، والنار في الأرض السابعة ، فإذا كان يوم القيامة جعلها الله حيث شاء . عبد الله بن مسعود
وقال مجاهد : قلت - رضي الله عنهما : أين الجنة ؟ قال : لابن عباس
فوق سبع سماوات . قلت : فأين النار ؟ قال : تحت سبعة أبحر مطبقة . رواه ابن منده .
وثبت في الصحيحين أنه - صلى الله عليه وسلم - قال :
" " ، وهذا يدل على أنها في غاية العلو ، والارتفاع . الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين ما بين السماء والأرض
وفي لفظ لهذا الحديث " ( " . إن في ) الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض أعدها الله للمجاهدين في سبيله وشيخ الإسلام ابن تيمية يرجح هذا اللفظ ، وهو لا ينفي أن تكون درجة الجنة أكثر من ذلك كما في قوله - صلى الله عليه وسلم : " " أي : من جملة أسمائه هذا العدد ، فيكون الكلام جملة واحدة في الموضعين . إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة
[ ص: 238 ] ويدل على هذا أن منزلة نبينا - صلى الله عليه وسلم - فوق هذا كله في درجة في الجنة ليس فوقها درجة ، وتلك المائة ينالها آحاد أمته بالجهاد .
وقال في ( حادي الأرواح ) : والجنة مقببة ، أعلاها أوسعها ووسطها وهو الفردوس ، وسقفه العرش كما قاله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح : " " . إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس ، فإنه وسط الجنة وأعلى الجنة ، وفوقه عرش الرحمن ، ومنه تفجر أنهار الجنة
قال في حادي الأرواح : قال شيخنا أبو الحجاج المزي الحافظ : والصواب راوية من رواه فوقه بضم القاف على أنها اسم الظرف ، أي : وسقفه عرش الرحمن .
فإن قيل : فالجنة جميعها تحت العرش ، والعرش سقفها ، فإن الكرسي وسع السماوات والأرض ، والعرش أكبر منه ، فالجواب : لما كان العرش أقرب إلى الفردوس مما دونه من الجنان بحيث لا جنة فوقه دون العرش كان سقفا له دون ما تحته من الجنان لعظم سعة الجنة ، وغاية ارتفاعها يكون الصعود من أدنى إلى أعلى بالتدريج شيئا فشيئا درجة فوق درجة ، كما يقال لقارئ القرآن اقرأ وارق ، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها ، وهذا يحتمل شيئين : أن تكون منزلته عند آخر حفظه ، وأن تكون عند آخر تلاوته لمحفوظه ، والله أعلم .
وأخرج أبو نعيم في تاريخ أصبهان عن - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " ابن عمر إن جهنم محيطة بالدنيا ، وإن الجنة ورائها ، فلهذا كان الصراط على جهنم طريقا إلى الجنة " .
وأخرج جويبر في تفسيره عن - رضي الله عنه - قال : معاذ بن جبل " . وأخرج سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم : من أين يجاء بجهنم يوم القيامة ؟ قال : " يجاء بها من الأرض السابعة لها سبعون ألف زمام معلق ، مع كل زمام سبعون ألف ملك ، تصيح إلي أهلي إلي أهلي ، فإذا كانت من العباد على مسيرة مائة سنة زفرت زفرة ، فلا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا جثا على ركبتيه يقول : رب نفسي نفسي بسند رجاله ثقات ، عن الإمام أحمد - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " يعلى بن أمية " . وأخرج البحر هو جهنم أيضا في الزهد عن الإمام أحمد سعيد بن أبى الحسين قال : البحر طبق [ ص: 239 ] جهنم . وأخرج أبو الشيخ في العظمة والبيهقي من طريق عن سعيد بن المسيب - رضي الله عنه - قال : ما رأيت يهوديا أصدق من فلان زعم أن نار الله الكبرى هي البحر فإذا كان يوم القيامة جمع الله فيه الشمس والقمر والنجوم ثم بعث عليه الدبور فسعرته . علي بن أبي طالب
وأخرج أبو الشيخ عن كعب في قوله تعالى ( والبحر المسجور ) قال البحر يسجر فيصير جهنم .
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن وهب أنه قال : إذا قامت القيامة أمر بالغلق فيكشف عن سقر ، وهو غطاؤها فتخرج منه ، فإذا وصلت إلى البحر المطبق على شفير جهنم وهو بحر البحور نشفته أسرع من طرفة العين ، وهو حاجز بين جهنم والأرضين السبع ، فإذا نشف اشتعلت في الأرضين السبع فتدعها جمرة واحدة ، وقيل : إن النار في السماء كالجنة لما روى من حديث الإمام أحمد حذيفة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " وجبريل حتى أتيت بيت المقدس ، وفتحت لنا أبواب السماء ورأيت الجنة والنار " . وأخرج أيضا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " أتيت بالبراق فلم نزايل طرفة عين أنا رأيت ليلة أسري بي الجنة والنار في السماء فقرأت هذه الآية وفى السماء رزقكم وما توعدون فكأني لم أقرأها " .
وليس في هذا ونحوه حجة على أن النار في السماء لجواز أن يراها في الأرض وهو في السماء ، وهذا الميت يرى وهو في قبره الجنة والنار وليست الجنة في الأرض ، وثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - رآهما وهو في صلاة الكسوف وهو في الأرض .
قال الحافظ ابن رجب : وحديث حذيفة إن ثبت وفيه أنه رأى الجنة والنار في السماء ، فالسماء ظرف للرؤية لا للمرئي . وفي حديث ضعيف جدا أنه - صلى الله عليه وسلم - رأى الجنة والنار فوق السماوات ، فلو صح حمل ما ذكرنا . والحاصل أن الجنة فوق السماء السابعة وسقفها العرش ، وأن النار في الأرض السابعة على الصحيح المعتمد ، وبالله التوفيق ، ولما أنهى الكلام على الجنة والنار وصحح وجودهما الآن وبقائهما أبدا بلا نهاية ولا حساب ، وبرهن على ذلك وعلى مكانهما أعقب ذلك بقوله :