( لكنها في الحق توقيفيه لنا بذا أدلة وفيه )
( لكنها ) أي ( في ) القول ( الحق ) المعتمد عند أهل الحق ( توقيفية ) بنص الشرع وورود السمع بها . ومما يجب أن يعلم أن علماء السنة اتفقوا على جواز إطلاق الأسماء الحسنى والصفات العلى على الباري - جل وعلا - إذا ورد بها الإذن من الشارع ، وعلى امتناعه على ما ورد المنع عنه ، واختلفوا حيث لا إذن ولا منع في جواز إطلاق ما كان - تعالى - متصفا بمعناه ولم يكن من الأسماء الأعلام الموضوعة من سائر اللغات ، إذ ليس [ ص: 125 ] جواز إطلاقها عليه - تعالى - محل نزاع لأحد ، بشرط أن لا يكون إطلاقها يوهم نقصا ، بل كان مشعرا بالمدح ، فالجمهور منعوا إطلاق ما لم يأذن به الشارع مطلقا ، وجوزه الأسماء الحسنى المعتزلة مطلقا ، ومال إليه بعض الأشاعرة ، كالقاضي ، وتوقف إمام الحرمين أبي بكر الباقلاني الجويني ، وفصل فجوز إطلاق الصفة ، وهي ما دل على معنى زائد على الذات ، ومنع إطلاق الاسم ، وهو ما يدل على نفس الذات ، واحتج للقول المعتمد أنها توقيفية بأنه لا يجوز أن يسمى النبي - صلى الله عليه وسلم - بما ليس من أسمائه ، فالباري أولى ، وتعلق الغزالي المعتزلة بأن أهل كل لغة يسمونه - سبحانه - باسم مختص بلغتهم ، كقولهم ( خداي ) وشاع من غير نكير . رد هذا بأنه لو ثبت ، لكان كافيا في الإذن الشرعي . والتوقيفي ما ورد به كتاب أو سنة صحيحة أو حسنة أو إجماع ; لأنه لا يخرج عنهما ، وأما السنة الضعيفة والقياس ، فلا يثبت بهما ; لأن المسألة من العلميات ، فلهذا قال ( لنا ) معشر أهل السنة وأتباع السلف ، ( بذا ) أي باعتبار ثبوت التوقيف في أسماء الباري - جل وعلا - من الشارع ( أدلة ) ، جمع دليل ، ( وفية ) عالية ، توفي بالمقصود ; لأن ما لم يثبت عن الشارع ، لم يكن مأذونا في إطلاقه عليه ، والأصل المنع حتى يقوم دليل الإذن ، فإذا ثبت كان توقيفا .
قال الإمام المحقق ابن القيم في كتابه ( بدائع الفوائد ) : ما يطلق عليه - سبحانه وتعالى - في باب الأسماء والصفات توقيفي ، وما يطلق عليه في باب الأخبار ، لا يجب أن يكون توقيفا كالقديم والشيء والموجود والقائم بنفسه ، فهذا فصل الخطاب في مسألة أسمائه ، هل هي توقيفية ، أو يجوز أن يطلق عليه منها بعض ما لم يرد به السمع ؟