إن امرأ رهطه في الشام منزله برمل يبرين جار شد ما اغتربا
أي ومنزله . والسمع صفة قديمة تتعلق بالمسموعات . وإثبات هاتين الصفتين - أعني السمع والبصر - للدلائل السمعية ، وهما صفتان زائدتان على الذات عند أهل السنة ، كسائر الصفات لظواهر الآيات والأحاديث ، وليسا راجعين إلى العلم بالمسموعات والمبصرات خلافا للفلاسفة ومن وافقهم ، وللإمام أبي الحسن الأشعري في قوله : إنهما راجعان إلى العلم بالمسموع والمبصر ، لكن المشهور من مذهب الأشاعرة كسائر أهل السنة ، أن كلا من السمع والبصر صفة مغايرة للعلم ، ونقل صاحب المواقف أن الجمهور خالفوا أبا الحسن الأشعري في قوله : إنهما راجعان إلى العلم ، قال : فإنا إذا علمنا شيئا كاللون مثلا علما تاما ثم رأيناه ، فإنا نجد بين الحالتين فرقا ضروريا ، ونعلم أن الحالة الثانية مخالفة للحالة الأولى بلا شبهة ، ولو كان الإبصار علما بالمبصر لم يكن هناك فرق ، وهكذا نجد الفرق بين العلم بهذا الصوت وسماعه ، وبين العلم بهذا الطعم وذوقه ، وبين العلم بهذه الرائحة وشمها ، وظواهر الكتاب والسنة تدل على المغايرة بين العلم والسمع والبصر ، ففي البخاري في ( باب : وكان الله سميعا بصيرا ) ، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات . وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال : كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر ، فكنا إذا علونا كبرنا ، فقال : " أربعوا على أنفسكم ، فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا ، إنما تدعون سميعا بصيرا قريبا " الحديث . وقال الإمام الحافظ البيهقي في كتابه الأسماء والصفات : السميع من له سمع يدرك به المسموعات ، والبصير من له بصر يدرك به المرئيات ، والكل منهما في حق الباري صفة قائمة بذاته - تعالى ، وقد أفادت الآية والأحاديث الرد على من زعم أنه سميع بصير بمعنى عليم .
وأخرج أبو داود بسند قوي على شرط مسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ قوله تعالى : ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ) . . . إلى قوله : ( إن الله كان سميعا بصيرا ) ويضع إصبعيه . قال أبو يونس : وضع أبو هريرة إبهامه على أذنه والتي تليها [ ص: 145 ] على عينه . قال البيهقي : وأراد بهذه الإشارة تحقيق إثبات السمع والبصر لله لبيان محلهما من الإنسان ، يريد أن له سمعا وبصرا ، لا أن المراد به العلم ، فإنه لو كان كذلك ، لأشار إلى القلب ; لأنه محل العلم . ولم يرد بذلك الجارحة ، فإن الله - تعالى - منزه عن مشابهة المخلوقين . ولا يلزم من قدم السمع والبصر قدم المسموعات والمبصرات ، كما لا يلزم من قدم العلم والقدرة قدم المعلومات والمقدورات ; لأنها صفات قديمة تحدث لها تعلقات بالحوادث .


