( الصفة السادسة ) : ما أشار إليها بقوله ( و ) يجب له - عز وجل - ( علم ) ، أي يجب ، ينكشف به المعلومات عند تعلقه بها ، وإنما قلنا بأن علمه كسائر صفاته - تعالى - للرد على الحكماء القائلين بنفي الصفات وإثبات غايتها ، وللرد على الجزم بأنه - تعالى - عالم بعلم واحد وجودي قديم باق ذاتي المعتزلة [ ص: 146 ] القائلين بأنه يعلم بالذات ، لا بصفة زائدة عليها ، والدليل على أن صفاته زائدة على ذاته ، وكونه عالما يعلل بقيام العلم به في الشاهد ، فكذلك في الغائب ، وقس عليه سائر الصفات ، وأيضا فالعالم من قام به العلم ، والقادر من قامت به القدرة 0 فإن قيل : قياس الغائب على الشاهد فقهي ، فالجواب أنه ليس كذلك ، بل هو قياس في الجملة ، قال ورود النصوص بأنه - تعالى - عالم وحي وقادر ونحوها شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح العقيدة الأصفهانية ، عن الإمام الرازي في كتابه نهاية الحقول ، قال نفاة الصفات : إن ، لكانت الحقيقة الإلهية مركبة من تلك الذات ، ومن تلك الصفات ، ولو كانت كذلك لكانت ممكنة ; لأن كل حقيقة مركبة فهي محتاجة إلى أجزائها ، وكل واحد من أجزائها غيرها ، فإن كل حقيقة مركبة فهي محتاجة إلى غيرها ، وذلك في حق الله - تعالى - محال ، فإذن يستحيل اتصاف ذاته بالصفات . وقال ذات الله لو كانت موصوفة بصفات قائمة بها الرازي في الجواب عن هذا : قوله يلزم من إثبات الصفات وقوع الكثرة في الحقيقة الإلهية ، فتكون تلك الحقيقة ممكنة ، قلنا : إن عنيتم به احتياج تلك الحقيقة إلى خارجي فلا يلزم ؛ لاحتمال استناد تلك الصفات إلى الذات الواجبة لذاتها ، وإن عنيتم توقف الصفات في ثبوتها على الذات المخصوصة ، فذلك مما نلتزمه ، فأين المحال ؟ وأيضا فعندكم الإضافات صفات وجودية في الخارج ، فيلزمكم ما ألزمتمونا 0 ثم قال الرازي : ومما يبين فساد عقول الفلاسفة في قولهم : الشيء الواحد لا يكون مؤثرا وقابلا ، أنهم اتفقوا على أن الله عالم بالكليات . واتفقوا على أن العلم بالشيء عبارة عن حصول صورة مساوية للمعلوم في العالم ، واتفقوا على أن صور المعلومات مودعة في ذات الباري - تعالى - حتى إن قال : إن تلك الصورة إذا كانت داخلة في الذات بل كانت من لوازم الذات ، لم يلزم منها محال ، وإذا كان كذلك ، فذاته مؤثرة في تلك الصور وقابلة لها ، ومن كان ذلك مذهبا له ، كيف يمكنه إنكار الصفات ؟ . ابن سينا
قال : وبالجملة فلا فرق بين الصفاتية وبين الفلاسفة ، إلا أن الصفاتية يقولون : الصفات قائمة بالذات ، والفلاسفة يقولون : هذه الصور العقلية عوارض مقومة بالذات . فالذي يسميه الصفاتية صفة يسميه الفلسفي عارضا ، والذي يسميه الصفاتي قياما ، يسميه الفلسفي [ ص: 147 ] قواما أو مقوما ، فلا فرق إلا في العبارة .
وقد عارضه شيخ الإسلام في بعض مقالته ، وغض من بعض أدلته ، فمما اعترض عليه ما ذكره من اتفاق الفلاسفة على أن الله - تعالى - عالم بالكليات ، قال : هو اتفاق وأمثاله بخلاف أرسطو وأتباعه . وكذلك ما ذكره من قولهم بإثبات صور المعلومات لذاته ، وأنها عارضة لذاته ، وهو قول ابن سينا وموافقيه ، صرح بذلك في الإشارات ، وهو مما اعترف الفلاسفة بتناقض ابن سينا وأمثاله بذلك في مسألة توحيدهم ونفي الصفات ، حيث قالوا بنفي الصفات الثبوتية مطلقا ، ثم قالوا بإثبات صور وجودية علمية قائمة بذاته ، وهو تصريح بإثبات الأمور الوجودية القائمة بذاته . ثم إن ابن سينا شيخ الإسلام بعدما أفسد كلام الفلاسفة ، وبرهن على إفساده ، قال : ثم إن نظار المسلمين ردوا عليهم ، أما الصفاتية فإنهم يلتزمون إثبات الصفات ، وأما المعتزلة وإن نفوا الصفات ، فإنهم يعترفون بما يستلزم إثباتها ، فإنهم يثبتون كونه حيا عالما قادرا ، وهذا بعينه يستلزم إثبات الصفات .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : منشأ الضلال في هذا الموضع أن عبروا به عن عدة معان : أحدها الذي يكون موجودا بنفسه لا يفتقر إلى مبدع ، وهذا هو الذي يدل عليه وجود الممكنات ، والثاني الذي لا يكون له تعلق بغيره ، ولا ملازمة بينه وبين غيره ، ونفي الصفات إنما يكون على هذا التفسير لا على المعنى الأول . ثم بعد كلام كثير مسمى واجب الوجود لابن تيمية - روح الله روحه - يرد به على الفلاسفة والمعتزلة وأضرابهم ، قال : ومن المعلوم لكل من عرف ما جاءت به الرسل أن التوحيد الذي أرسل الله به رسله وأنزل به كتبه ، لم يتضمن نفي صفات الله ، بل الكتب الإلهية مملوءة بإثبات صفات الله - تعالى ، قال : وكذلك العقل الصريح هو موافق لما جاءت به الكتب الإلهية من - تعالى ، وقول هؤلاء بامتناع إثبات واجبين أو إلهين قديمين لفظ فيه إجمال وإبهام ، فإن أريد بذلك نفي إلهين واجبين أو إلهين قديمين ، فهذا حق لا ينازع فيه مسلم ، وكذلك إن عنوا نفي موجودين قائمين بأنفسهما واجبين أو قديمين ، فهذا حق ، فهم وإن كان هذا بعض مرادهم ، فلم يقتصروا عليه ، بل أرادوا نفي صفات الله الواجبة القديمة كعلمه وقدرته ، وحينئذ فنفي واجبين قديمين بهذا الاعتبار باطل ، وهم قد يقولون [ ص: 148 ] : لو كانت الصفة ثابتة ، لكانت مشاركة في أخص صفاته ، فتكون الصفة إلها ، ويدعون أن من أثبت الصفات فقد قال قول إثبات صفات الكمال لله النصارى ، كما حكاه سيدنا الإمام أحمد وغيره من أئمة السنة عنهم ، وهو موجود في كلامهم وهذا باطل ، ومن المعلوم أن صفة الموصوف المحدث الممكن إذا وافقته في كونها محدثة ممكنة ، لم يلزم أن تكون مماثلة له ، فليست صفة النبي نبيا ، ولا صفة الإنسان إنسانا ، فكيف يجب أن تكون صفة الإله إلها بل هو سبحانه إله واحد مختص بما لا يماثله فيه غيره من صفات الكمال ، منزه عن صفات النقص مطلقا ، وعن أن يكون له كفء في شيء من صفات الكمال . قال شيخ الإسلام : ومعرفة هذا من أهم الأمور ، فإن نفاة الصفات أدخلوا ذلك في مسمى التوحيد ، وجعلوا هذا من مسمى التوحيد ، فلبسوا بذلك على كثير من الناس ، إذ كان مسمى التوحيد في غاية العظمة عند أهل الملل ، فإذا ظن من لم يعرف حقائق الأمور أن ما ذكروه من النفي المستلزم للتعطيل هو من التوحيد الذي بعث الله به الرسول ، انقلب دين الإسلام في نفسه ، فجعل ما هو داخل في التعطيل الذي ذم الله به فرعون وغيره من الكافرين هو من التوحيد الذي بعث الله به المرسلين .
ولهذا كان علماء الحديث يصنفون الكتب في التوحيد ، يذكرون إثبات ما أثبته الله ورسوله من الأسماء والصفات مناقضة لهؤلاء النفاة ، فإن منفي الصفات لم يكن إلا معدوما ، فإن إثبات ذات بلا صفات أو وجود مطلق لا يتعين إنما يتحقق في الأذهان لا في الأعيان ، لم يحقق عبادته له ، فلهذا وغيره كان الشرك بعبادة غير الله واقعا في نفاة الصفات . فمن لم يثبت لله الصفات