الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
المجلس السادس

خبأت هذا لك  

حدثنا الحسين بن محمد بن عفير الأنصاري، قال: حدثنا أبو الخطاب زياد بن يحيى الحساني، قال: حدثنا حاتم بن وردان، عن أيوب، عن ابن أبي مليكة، عن المسور بن مخرمة، قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبية، فقال لي أبي مخرمة: اذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لعله أن يعطينا منها شيئا، قال: فأتيناه فسمع كلام أبي على الباب قال: فخرج إلينا وفي يده قباء وهو يري أبي محاسنه ويقول: خبأت هذا لك.

[ ص: 40 ] التعليق على الحديث

قال القاضي: في هذا الخبر لعله أن يعطينا وهي لغة لبعض العرب، والأشهر كلامها، لعله يعطينا بغير أن، وقد ذكرنا هذا الباب فيما مضى من مجالسنا هذه وشرحنا وجهه وأحضرنا صورا من شواهد الشعر فيه، والقباء ممدود، وجمعه أقبية وهو من ملابس الأعاجم في الأغلب،  واشتقاقه من الجمع والضم فقيل له قباء لما فيه من الاجتماع، وإما بجمعه جسم لابسه وضمه إياه عند لبسه ومنه قول سحيم عبد بني الحسحاس:


فإن تهزئي مني فيا رب ليلة تركتك فيها كالقباء المفرج

وقراء أهل المدينة ونحاتهم يعبرون عن المعرب والمبني الذي يسميه قراء العراق ونحاتهم مرفوعا ومضموما بأنه مقبوء، فيشيرون بعبارتهم إلى الضم الذي من باب الجمع، وقد شرحنا هذه الجملة شرحا واسعا في كتابنا الذي شرحنا فيه مختصر أبي عمر الجرمي في النحو.

وقد تسمي العرب القباء اليملق وتجمعه يلامق، كما قالت هند بنت عتبة:


نحن بنات طارق     نمشي على النمارق
ونلبس اليلامق



وقال ذو الرمة:


تجلو البوارق عن مجرمز لهق     كأنه متقبي يلمق عزب

وذكر الأصمعي أنه فارسي معرب، وأنه في الأصل على كلام الأعاجم يلمه، كما قالت العرب شبرق وفالوذق، وقالت العجم: شبره وفالوذه، وقال الأصمعي: مثل هذا في قول العرب إستبرق، فإنه في كلام العجم استبره، وقال عدد من أهل العلم منهم أبو عبيدة: إن من زعم في القرآن شيئا بغير العربية فقد أخطأ وأعظم على الله الفرية، لأن الله تعالى قال: بلسان عربي مبين ، وفي القرآن عدد من الكلم نسبه بعض أهل التأويل إلى لغة بعض أمم العجم، وأنكر هذا بعضهم، وذهب إلى اتفاق لغتين فيه أو لغات كثير منهم، وهذا مما بياننا مستقصى فيه في كتابنا المسمى كتاب البيان الموجز عن علوم القرآن المعجز، وفي كتاب شيخنا أبي جعفر رضي الله عنه، الذي سماه جامع البيان عن تأويل آي القرآن.

وفي خبر المسور هذا، البيان البين عن أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتفقد أصحابه بألطافه وصلاته، ويشاركهم فيما يسديه الله إليه من رزق ويفيئه عليه من فضله، وأنهم كانوا يسألونه عن حاجتهم، ويرغبون إليه في بذل الرفد لهم، وإضافة الأموال عليهم، لبسطه إياهم وخفض جناحه لهم، ولظهور جوده وسعة خلقه عندهم صلى الله عليه وسلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية