الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
مجاهد تلفظه الأرض  

حدثنا محمد بن الحسن بن دريد ، قال : حدثنا العكلي ، قال : أخبرني رجل من أهل البصرة ، قال : رأيت رجلا له هيئة وسمت وعليه الصوف ، فسألته عن اسمه ، فقال : اسمي علي بن محمد فجلست إليه فحدثته فخبرني أنه مضى إلى المصيصة غازيا ، فرأى في مسجدها شيخا جميلا هيبا ، وحوله قوم يسمعون من حديثه ، قال : فجلست إليه فسألني عن حالتي ، فقلت : رجل من أهل العراق قدمت أريد وجه الله تعالى والدار الآخرة ، فقال : رزقك الله حياة طيبة ومنقلبا كريما ، ثم قال لي : إن لي إليك حاجة لا تردني عنها ، قلت : نعم ، قال : تتحول إلي وتنزل علي فما كان إلا ساعة ، ثم نزلت برجل قد وهب الله له قوة [ ص: 406 ] على الصيام والقيام وطلب الخير ، فأقمت عنده حتى تهيأ لصاحب الثغر الغزو ، وخف معه عشرة آلاف من المطوعة ، فقدم ابنه وكان حدثا ، وكان رب منزلي فيمن خرج فخرجت بخروجه ، فلما أوغلنا في بلاد العدو دلف إلينا جمع عظيم فوقفنا لهم وأقبل الفتى يحرض الناس ثم برز الشيخ فتكلم ، وقال : هذه أبواب الجنة فافتحوها بسيوفكم ، فحمل الفتى فأصيب ، وحمل الشيخ رب منزلي فأصيب رحمهما الله ، ثم إن الله تعالى منحنا أكتاف العدو فقتلنا وأسرنا ورجعنا إلى مواضعنا ، فحفرنا لمن أكرمهم الله بالشهادة فدفناهم ، ودفنا الشيخ ، وسوينا عليه لحده ، فارتجت الأرض ورجفت بنا ، ثم لفظت الشيخ فوقع على عشرة أذرع من قبره ، فقلنا : رجفة أو زلزلة ، فحفرنا له قبرا آخر وسوينا عليه ، فسمعنا ما هو أهول وأفظع ، ولفظت به الأرض أبعد من ذلك الموضع ، فحفرنا له قبرا ثالثا ودفناه ، فجاءت هدة طاشت منها عقولنا ولفظته الأرض ، وسمعنا هاتفا يقول : أيتها العصابة ! إن هذا الرجل لم يزل يدعو الله أن يجعل محشره من بطون السباع وحواصل الطير ، فدعوه إن الله جل جلاله قد سمع نداه ، فتركناه وانصرفنا .

التالي السابق


الخدمات العلمية