حدثنا الحسين بن القاسم بن جعفر الكوكبي ، قال : حدثنا أبو الفضل الربعي ، عن العباس بن الفضل ، قال : قال : إسحاق يعني ابن إبراهيم الموصلي ، قال شبيب بن شيبة :
خالد بن صفوان التميمي على وليس عنده أحد ، فقال : يا أمير المؤمنين ! إني والله ما زلت منذ قلدك الله تعالى خلافة المسلمين إلا وأنا أحب أن أصير إلى مثل هذا الموقف في الخلوة ، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأمر بإمساك الباب حتى أفرغ فعل ، قال : فأمر الحاجب بذلك ، فقال : يا أمير المؤمنين ! إني فكرت في أمرك ، وأجلت الفكر فيك فلم أر أحدا له مثل قدرك ، ولا أقل استمتاعا في الاستمتاع بالنساء منك ، ولا أضيق فيهن عيشا ، إنك ملكت نفسك امرأة من نساء العالمين واقتصرت عليها ، فإن مرضت مرضت ، وإن غابت غبت ، وإن عركت عركت ، وحرمت نفسك يا أمير المؤمنين التلذذ باستطراف الجواري وبمعرفة اختلاف أحوالهن ، والتلذذ بما يشتهى منهن ؟ أبي العباس إن منهن يا أمير المؤمنين الطويلة التي تشتهى لجسمها ، والبيضاء التي تحب لروعتها ، والسمراء اللعساء ، والصفراء العجزاء ، ومولدات دخل المدينة والطائف واليمامة ذوات الألسن العذبة والجواب الحاضر ، وبنات سائر الملوك ، وما يشتهى من نظافتهن وحسن هندامهن ، وتخلل بلسانه فأطنب في صفات ضروب الجواري وشوقه إليهن ، فلما فرغ خالد ، قال : ويحك ! ما سلك مسامعي والله كلام قط أحسن من هذا ، فأعد علي كلامك فقد وقع مني موقعا ، فأعاد عليه خالد كلامه بأحسن مما ابتدأه ، ثم قال : انصرف ، وبقي مفكرا فيما سمع من أبو العباس خالد يقسم أمره ، فبينا هو يفكر إذ دخلت عليه أم سلمة ، وقد كان [ ص: 407 ] حلف أن لا يتخذ عليها ووفى لها ، فلما رأته مفكرا متغيرا ، قالت له : إني لأنكرك يا أمير المؤمنين ، فهل حدث أمر تكرهه أو أتاك خبر ارتعت له ؟ فقال : لا ، والحمد لله ، ثم لم تزل تستخبره حتى أخبرها بمقالة خالد ، قالت : فما قلت لابن الفاعلة ؟ فقال : ينصحني وتشتمينه ! فخرجت إلى مواليها من البخارية فأمرتهم بضرب أبو العباس خالد ، قال خالد : فخرجت إلى الدار مسرورا بما ألقيت إلى أمير المؤمنين ، ولم أشك في الصلة ، فبينا أنا مع الصحابة واقفا إذ أقبلت البخارية تسأل عني ، فحققت الجائزة والصلة ، فقلت لهم : هأنذا ، فاستبق إلي أحدهم بخشبة فلما أهوى إلي غمزت برذوني ولحقني فضرب كفله ، وتنادى إلي الباقون وغمزت البرذون فأسرع ، ثم راكضتهم ففتهم ، واختفيت في منزلي أياما - قال القاضي : الصواب : استخفيت - ووقع في قلبي أني أتيت من قبل أم سلمة ، فطلبني فلم يجدني ، فلم أشعر إلا بقوم قد هجموا علي ، فقالوا : أجب أمير المؤمنين ، فسبق إلى قلبي أنه الموت ، فقلت : إنا لله وإنا إليه راجعون ، لم أر دم شيخ أضيع ، فركبت إلى دار أمير المؤمنين ، ثم لم ألبث أن أذن لي فأصبته خاليا فرجع إلي عقلي ، ونظرت في المجلس ببيت عليه ستور رقاق ، فقال : يا خالد لم أرك ! قلت : كنت عليلا ، قال : ويحك ! إنك وصفت لأمير المؤمنين في آخر دخلة دخلتها علي من أمور النساء والجواري صفة لم يخرق مسامعي قط كلام أحسن منه ، فأعده علي ، قال : وسمعت حسا خلف الستر - فقال : نعم يا أمير المؤمنين ، أعلمتك أن العرب إنما اشتقت اسم الضرتين من الضر ، وأن أحدا لم يكن عنده من النساء أكثر من واحدة إلا كان في ضر وتنغيص ، قال له أبو العباس لم يكن هذا في الحديث ، قال : بلى والله يا أمير المؤمنين ، قال : فأنسيت إذا ، فأتمم الحديث ، قال : وأخبرتك أن الثلاث من النساء كأثا في القدر يغلى عليهن ، قال : برئت من قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كنت سمعت هذا منك ولا مر في حديثك ، قال : وأخبرتك أن الأربع من النساء شر مجموع لصاحبهن يشيبنه ويهرمنه ويحقرنه ويقسمنه ، قال : لا والله ما سمعت هذا منك ولا من غيرك ، قلت : بلى والله ، قال : أفتكذبني ؟ قلت : أفتقتلني ! نعم والله يا أمير المؤمنين وأخبرتك أن أبكار الإماء رجال إلا أنهن ليست لهن خصى ، قال أبو العباس : خالد : فسمعت ضحكا من خلف الستر ، ثم قلت : نعم ، وأخبرتك أن عندك ريحانة قريش ، وأنك تطمح بعينيك إلى النساء والجواري ، قال : فقيل لي من وراء الستر : صدقت والله يا عماه ، بهذا حدثته ولكنه غير حديثك ونطق عن لسانك ، فقال ما لك قاتلك الله ، وفعل بك وفعل ؟ قال : وانسللت ، قال : فبعثت إلي أبو العباس : بعشرة آلاف درهم وبرذون وتخت . أم سلمة
قال القاضي أبو الفرج : قوله في هذا الخبر : السمراء اللعساء التي في شفتها سمرة وسواد ، ومن ذلك قول ذي الرمة :
[ ص: 408 ]
لمياء في شفتيها حوة لعس وفي اللثات وفي أنيابها شنب
اللما مقصور : سمرة الشفة ، والحوة : الحمرة إلى السواد شبيه به ، واللعس مثل ذلك ، والشنب برد وعذوبة في الأسفان ، ويقال : امرأة لمياء ورجل ألمى ، وذكر عن أنه قال : اللعس السواد الخالص ، ويقال : ليل ألعس ، ولا أدري يقال : لعس أم لا ؟ ويقال : حوي يحوى وقياسه في اللما لمي يلمي ، وقوله : ينصحني وتشتمينه الكلام الفصيح السائر : وينصح لي ، قال الله تعالى : الأصمعي إن أردت أن أنصح لكم ويقال : فنصحت لكم ، ونصحت فلانا : لغة قد حكيت ، وهي دون هذه في الفصاحة من ذلك قول الشاعر :نصحت بني عوف فلم يتقبلوا لديهم رسائلي
تركت بنا لوحا ولو شئت جادنا بعيد الكرى ثلج بكرمان ناصح