الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
تعليق المؤلف على خطبة عمر

قال القاضي أبو الفرج : قد ضمن عمر رضي الله عنه خطبته هذه من الحكم التي تتقبلها العقول ويشهد بصحتها المعقول ما فيه أكثر النفع لمن استمع إليه ، وأجرى أمره في دينه عليه ، وذكر أنه يحمل الناس في موالاتهم ومعاداتهم على ما أبدوه ويكلهم إلى ربهم عز وجل فيما أخفوه ، ونصح الناس

في ما أمرهم به من أن يريدوا الله تعالى بتلاوة كتابه  كما كان السلف الذين نزل الوحي بينهم ، وأخبر أنه سيأتي من يريد بتلاوته الناس وحطام الدنيا ، ويأتي بالتلاوة للسمعة والرياء ، وذكر ما لم يكن عند أحد ممن سمعه رد له ولا مرية [ ص: 428 ] فيه من إنفاذه عماله على الناس للعدل فيهم وأداء حقوقهم إليهم ، وأنه حكم بالقصاص ممن جنى منهم ، وبإنصاف مظلومهم من ظالمهم ، وها نحن في زمان الجور فيه ظاهر غامر ، والظالم قاهر ، والمظلوم حائر؛ وأما تلاوة القرآن في زماننا فإن من يتلوه فيه تقربا إلى ربه واعتبارا به ، وتفكرا في حكمه ، وتدبرا في آياته ، وتفقها في دينه ، فإنه في قلته ومهانته وذلته على حد عظيم في منزلته ، وهو بمنزلة الكبريت الأحمر في عزته ، وبمنزلة الشامة البيضاء في الثور الأسود ، إذا نظر في أمره في عدد أهله ، ومعظم من يتلوه في وقتنا إما مباه لأمثاله مفاخر ، أو مبار لأشكاله مكاثر ، أو مستميحا للحطام والسحت الحرام من ذوي البغي والضلالة ، واللهو والبطالة ، بالتغني لهم به على الوجه الذي زجر الله تعالى عنه ورسوله من ألحان اللاهين وترجيع اللعابين ، قد جعل ذلك له طعمة واتخذه لنفسه معيشة ، ودرت عليه الهبات ، والعطايا والصلات ، من المغرورين ، المسحورين منهم والمفتونين ، المطبوع على قلوبهم ، وتعلقوا عند العامة بادعاء التأويل في الخبر الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : زينوا القرآن بأصواتكم ،  وبقوله : ليس منا من لم يتغن بالقرآن ، فحملوه على غير وجهه ووجهوه إلى خلاف ما قصد له به ، فكانوا في تلاوتهم للقرآن من الذين ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنهم يتعجلونه ولا يتأجلونه ، وضلوا عن سواء السبيل في ما يتأولونه .

وقد أتينا من الكلام في هذا المعنى بما ينتفع به الناظر فيه ، إذا وقف على معانيه ، ناصحا لنفسه ، مشفقا من خشية ربه ، في كتابنا المسمى : التذكير والتحذير ، وفي بعض ما مضى من مجالس كتابنا هذا وفي غيرهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية