الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
التشميت والتسميت

قال القاضي أبو الفرج : يقال لما يدعى به للعاطس سمت وشمت ، وهو بالشين المعجمة [ ص: 444 ] أفصح في اللغة وأشهر في الرواية ، وقيل إنه مأخوذ من قولهم : استأشمت الماشية في الرعي بمعنى أنها انبسطت فيه . وأما التسميت بالسين المهملة فكأنه أراد به الرفق والتسكين . وأخذ من السمت ومن القصد ومثله : رفوت فلانا إذا رفقت به ولاينته كما قال الهذلي :


رفوني وقالوا يا خويلد لا ترع فقلت وأنكرت الوجوه هم هم

وقال بعضهم : التشميت مبادرة العاطس بالدعاء له ،  والمبادرة إلى تشميته كسرعة الشامت بالشماتة إلى من يشمت به . وقد ذكر أن بعض جلساء الرشيد شمت الرشيد وقد عطس ، فقال له بعض الحاضرين : لا ينبغي أن تفعل مثل هذا ، ولا تخاطب أمير المؤمنين بما يقتضي منه تكلف الرد ، وإن بعضهم قال : أصاب المشمت السنة وأصاب المعترض عليه أدب المجالسة للسلطان .

قال القاضي أبو الفرج : قد أصاب المشمت في هذه القصة إصابة مطلقة لا خطأ فيها ولا شريطة ، وأخطأ الراد عليه والمعتذر لمن نهاه والموبخ له ، ولو كان الأمر على ما ذكره لكان ينبغي للناس ترك السلام على أئمتهم إذا دخلوا عليهم والكف عن تعزيتهم وتهنئتهم ، وأحق من شمت ودعي في مواطن الدعاء له أمير المؤمنين ، وأولى من سارع إلى تحية المسلم بأحسن منه تحيته أو مثلها كما أمر الله عز وجل وبادر بتأدية الفرض فيه وفي ما جرى مجراه من التشميت وغيره أئمة الدين . وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرد على من شمته من أمته وأهل ذمته ويشمت من عطس من المسلمين بحضرته ، وروي أن اليهود كانوا يتعاطسون عنده رجاء أن يدعو لهم . وعلى نحو ما وصفنا مضت الأئمة الراشدون والسلف الصالحون والخلفاء المهديون . وذكر أن الحجاج بن يوسف قال للناس يوما : بلغني أن أمير المؤمنين عبد الملك عطس فشمته من حوله فرد عليهم ، فيا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما . وروى بعضهم أنه كتب بهذا القول والأمنية إلى عبد الملك . وأكثر من يشير في هذه الأمور بغير الحق من لا رأي له ولا أمانة ولا للأئمة عنده موالاة ولا نصيحة . وقد تجاوزوا هذا الحد إلى السعي فيما يقدح في المملكة ويشعث أسباب الخلافة ، ولكن ما الحيلة إذا كان الرأي في يد من يملكه ويتمكن من تصريفه على هواه فيه دون من يعرفه ويضطلع في ترتيبه مرتبته وإنزاله منزلته ويؤثر الحق على نفسه وأقربيه ولا يخاف لومة لاثم .

قال القاضي : وما أتى في سنة العطاس وما ندب فيه العاطس وأرشد إليه وصفة التشميت والرد على المشمت من الآثار والرواية والأخبار ومنظوم الأشعار أكثر من أن يحيط امرؤ به في مثل هذا الموضع .

التالي السابق


الخدمات العلمية